عاصم الطيب ... علامة تجارية ( سودانية )
- الكتابة عن الموسيقار العالمي عاصم الطيب بالنسبة لي مرهقة .. فهو ينساب كالنيل الأبيض في شهور الصيف ويكون هادراً كالنيل الأرزق في موسم الخريف. يحدثك عن رحلاته داخل السودان ( العباسية تقلي بجنوب كردفان وشرق السودان على سبيل المثال ) وخارجه في اسفاره وفي إقامته الدائمة بالقارة البعيدة أستراليا. فيأسرك في حديثه الشيق، بحثه الدؤوب عن المعرفة فهو باحث موسيقي وباحث فلكوري، تصغي لمحاضرته عن ( جماليات الصلاة وعلاقتها بالفنون ) فيستبد بك الطرب من إنشاده لمديح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاضر في ( جماليات الصلاة وعلاقتها بالفنون ) حديث العارفين فيتجلى لك الجانب الصوفي فيه . وتجتمع لديه الآلات الموسيقية ( البيانو ، الغيتار، الكمان ، العود ... الخ الخ ) فيقارعها بالعزف المتمكن ولا تعجزه ويحلق بصوته العذب في فضاءات بعيدة يصحبك فيها ومن في معيتك في أكوان أخرى، ثم يستبد به الطرب فيطلق العنان لصفيره فيأتي الصفير مموسقاً وكأنه استعان بإحدى آلات النفخ.
-حسناً بعد اعترافي أعلاه بأني سأعاني الرهق في كتابتي عن الفنان عاصم الطيب. سوف اتجه للحديث عن لقائي الأول معه خارج التسجيلات الإسفيرية والمشاهدات التلفزيونية. دعوني احدثكم سادتي القراء عن أنني صرت محظوظاً دون أي مقدمات. حين ساقتني قدماي للمرة الأولى لداخل المعهد العالي للموسيقى والمسرح ( كلية الموسيقى والدراما حالياً ) والذي – أي المعهد – يتبع لجامعة السودان للعلوم والتكنولجيا. أي أنني حققت أمنية قديمة بأن تطأ قدماي هذا الصرح الشامخ الذي رفد السودان بأجيال من المعنيين بالثقافة والفن والأدب.
-جئت لشأن يخص ابنتي الأولى – كما اسميها – مجموعتي القصصية : تضاريس النزوح الأخير والتي صدرت لي قبل شهرين عن دار عزة للنشر والتوزيع. فدعاني الصديق الموسيقار الصافي مهدي لحضور ورشة فنية للفنان العالمي عاصم الطيب مع كوارل المعهد العالي للموسيقى والمسرح.
-كان على آلة البيانو يعزف مقاطع من أغنيته زائعة الصيت ( سجن سجن ) يدرس أعضاء فرقة كورال الموسيقى والدراما مهارات الصوت فيغني مقطع من أغنيته بالكلمات مع مواصلته للعزف على آله البيانو ثم يكمل الأغنية نفسها مستبدلاً الكلمات بالحروف الموسيقية على نفس الإيقاع ( مثلاً : دو ري دو ري .. فا فا صول .. دو ري دي ري ... الخ الخ ) .
-يترك البيانو ليمسك بآله الجيتار يشرع في الغناء فيشرخ هدأة ذلك النهار الصيفي الذي غاب عنه التيار الكهربائي، فالهيئة القومية للكهرباء بموافقة من وزارة الكهرباء والسدود شرعت في برنامجها السنوي ( قطوعات الكهرباء المنظمة وفق جدولٍ زمني بحجج مختلفة تجتمع في كونها حجج واهية ) .. وذاك حديث آخر.
-ويغني بالجيتار الكوبليه الأولى وربما الثاني قبل أن يكمل الثالث مستبدلاً الكلمات بالأحرف الموسيقية ، يترك الجيتار بمسك بآلة الكمان متغنياً بآغاني المدرسة الأمدرمانية - التي مزجت بين أيقاعات ( التم تم ) القادمة من مدينة كوستي ليتلقاها شعراء مدينة امدرمان ومن جاورهم من شعراء العيلفون ( مثل الشاعر: محمد ود الرضي ) ومن ولاية الجزيرة ( مثل الشاعر : علي المساح ) وغيرهم. فقاموا بتفريغ الأغاني من كلماتها البسيطة التي كانت تعبر عن أحلام الفتيات فيما يعرف بأغاني السباتة أو أغاني البنات - أو كما سماها الشاعر والدبلوماسي والإعلامي صلاح أحمد محمد صالح ( أغاني الحقيبة ). فيناسب الغناء بنفس طريقة ما كان يسجل عم نبيل ديمتري في القاهرة لفنانين ذلك الزمن ( زمن الفونغراف ). كنت اصغي له وكأني استمع لبرنامج ( حقيبة الفن ) للإعلامي عوض بابكر والذي يقدمه الأخير عبر أثير ( هنا امدرمان) نهار كل جمعة. كان العالمي: الموسيقار عاصم الطيب قرشي يتغني برائعة الشاعر محمد ود الرضي : ( جلسن شوف يا حلاتن ) وكأني استمع لها بطريقة الثاني : والذين اشتهروا ب( أولاد شمبات ) و ثم ينشدينا بكمانه وصوته كذلك مترمناً برائعة الفنان والشاعر خليل أفندي فرح ( عازة في هوالك )، والتي اضحت رمزاً للسودان فيمكنك أن تحيل ( عازة ) لتشير للسودان كما يرمز أهل فرنسا لعاصمة النور ( باريس ) ب ( ماريان ) وكما يحدث في أثيوبيا التي يرمز لها ب ( لوسي ).
-ويمسك برقبة العود ويتغازل أوتاره – أو بتعبير مثقفي السودان : ينقرش العود - قبل أن ينتظم في عزفه وأجدني قبالة واحدة من روائع الفنان المرهف: أحمد الجابري ، أغنية (الجريف واللوبيا ) للشاعر المخضرم : الصادق اليأس فيهيج أشجان الحضور داخل مكتب رئيس قسم شعبة الغناء.
-حينما غنى ( الخماسية ) وهي واحدة من أجمل اغاني تراث غرب السودان – في رأيي – شعرت أن بعض مقاطع القصيدة تتشابه مع أغنية للموسيقار اسماعيل عبد المعين في جزئية النميمة ( قالو فلانة طلقو .. كان درو ما درو ) وأعني بها أغنية ( قالو لي سرو ) فأكمل شدوه بالخماسية ليطلعني بعدها صاحب الشهرة العالمية أن أغنية اسماعيل عبد المعين من تراث شرق السودان وهو ضرب من الأغاني يسمى ( الزنجران ) وأكمل حديثه بأن اشجانا بالأغنية نفسها ليغني منها مقطع أو مقطعين ثم يكمل البقية بالأحرف الموسيقية فلم ينسى أنه جاء ليحاضره في ورشة فنية وليس ليحيي حفل موسيقي. قبل أن ينتقل بعدها لآلة البيانو مرة أخرى ولا زال عاصم الطيب قرشي يجيب على استفساري. فعمد إلى مقارنتها بأغنية أخرى من شرق السودان عزف أغنية من أشهر اغاني شرق السودان والتي تغنى عادةً بآلة الربابة وتغنى بمقاطع منها وفعل بها كما فعل بغير حيث اكمل الأغنية بالأحرف الموسيقية.
-أشرت إليه أن يكتب عن اسفاره الطويلة قال لي : أنا بحكي وانتو اكتبو ؟ ألححت عليه في الطلب وأخبرته أنني يمكنني أن اسجل احاديثه تلك كنوع من أدب الرحلات وأقوم بتفريغ الأحاديث على الورق وأراجعها معه قبل أن انشرها. فتخيلتني وأنا اطرق أزقة حي المسالمة الأمدرمانية وقد صاحبته لأستراليا وكنت معه كحال النبيين يوشع بن نون مع موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام.... فتأمل.
مزمل الباقر
4 مايو 2016م
كلية الموسيقى والدراما – الخرطوم
-حسناً بعد اعترافي أعلاه بأني سأعاني الرهق في كتابتي عن الفنان عاصم الطيب. سوف اتجه للحديث عن لقائي الأول معه خارج التسجيلات الإسفيرية والمشاهدات التلفزيونية. دعوني احدثكم سادتي القراء عن أنني صرت محظوظاً دون أي مقدمات. حين ساقتني قدماي للمرة الأولى لداخل المعهد العالي للموسيقى والمسرح ( كلية الموسيقى والدراما حالياً ) والذي – أي المعهد – يتبع لجامعة السودان للعلوم والتكنولجيا. أي أنني حققت أمنية قديمة بأن تطأ قدماي هذا الصرح الشامخ الذي رفد السودان بأجيال من المعنيين بالثقافة والفن والأدب.
-جئت لشأن يخص ابنتي الأولى – كما اسميها – مجموعتي القصصية : تضاريس النزوح الأخير والتي صدرت لي قبل شهرين عن دار عزة للنشر والتوزيع. فدعاني الصديق الموسيقار الصافي مهدي لحضور ورشة فنية للفنان العالمي عاصم الطيب مع كوارل المعهد العالي للموسيقى والمسرح.
-كان على آلة البيانو يعزف مقاطع من أغنيته زائعة الصيت ( سجن سجن ) يدرس أعضاء فرقة كورال الموسيقى والدراما مهارات الصوت فيغني مقطع من أغنيته بالكلمات مع مواصلته للعزف على آله البيانو ثم يكمل الأغنية نفسها مستبدلاً الكلمات بالحروف الموسيقية على نفس الإيقاع ( مثلاً : دو ري دو ري .. فا فا صول .. دو ري دي ري ... الخ الخ ) .
-يترك البيانو ليمسك بآله الجيتار يشرع في الغناء فيشرخ هدأة ذلك النهار الصيفي الذي غاب عنه التيار الكهربائي، فالهيئة القومية للكهرباء بموافقة من وزارة الكهرباء والسدود شرعت في برنامجها السنوي ( قطوعات الكهرباء المنظمة وفق جدولٍ زمني بحجج مختلفة تجتمع في كونها حجج واهية ) .. وذاك حديث آخر.
-ويغني بالجيتار الكوبليه الأولى وربما الثاني قبل أن يكمل الثالث مستبدلاً الكلمات بالأحرف الموسيقية ، يترك الجيتار بمسك بآلة الكمان متغنياً بآغاني المدرسة الأمدرمانية - التي مزجت بين أيقاعات ( التم تم ) القادمة من مدينة كوستي ليتلقاها شعراء مدينة امدرمان ومن جاورهم من شعراء العيلفون ( مثل الشاعر: محمد ود الرضي ) ومن ولاية الجزيرة ( مثل الشاعر : علي المساح ) وغيرهم. فقاموا بتفريغ الأغاني من كلماتها البسيطة التي كانت تعبر عن أحلام الفتيات فيما يعرف بأغاني السباتة أو أغاني البنات - أو كما سماها الشاعر والدبلوماسي والإعلامي صلاح أحمد محمد صالح ( أغاني الحقيبة ). فيناسب الغناء بنفس طريقة ما كان يسجل عم نبيل ديمتري في القاهرة لفنانين ذلك الزمن ( زمن الفونغراف ). كنت اصغي له وكأني استمع لبرنامج ( حقيبة الفن ) للإعلامي عوض بابكر والذي يقدمه الأخير عبر أثير ( هنا امدرمان) نهار كل جمعة. كان العالمي: الموسيقار عاصم الطيب قرشي يتغني برائعة الشاعر محمد ود الرضي : ( جلسن شوف يا حلاتن ) وكأني استمع لها بطريقة الثاني : والذين اشتهروا ب( أولاد شمبات ) و ثم ينشدينا بكمانه وصوته كذلك مترمناً برائعة الفنان والشاعر خليل أفندي فرح ( عازة في هوالك )، والتي اضحت رمزاً للسودان فيمكنك أن تحيل ( عازة ) لتشير للسودان كما يرمز أهل فرنسا لعاصمة النور ( باريس ) ب ( ماريان ) وكما يحدث في أثيوبيا التي يرمز لها ب ( لوسي ).
-ويمسك برقبة العود ويتغازل أوتاره – أو بتعبير مثقفي السودان : ينقرش العود - قبل أن ينتظم في عزفه وأجدني قبالة واحدة من روائع الفنان المرهف: أحمد الجابري ، أغنية (الجريف واللوبيا ) للشاعر المخضرم : الصادق اليأس فيهيج أشجان الحضور داخل مكتب رئيس قسم شعبة الغناء.
-حينما غنى ( الخماسية ) وهي واحدة من أجمل اغاني تراث غرب السودان – في رأيي – شعرت أن بعض مقاطع القصيدة تتشابه مع أغنية للموسيقار اسماعيل عبد المعين في جزئية النميمة ( قالو فلانة طلقو .. كان درو ما درو ) وأعني بها أغنية ( قالو لي سرو ) فأكمل شدوه بالخماسية ليطلعني بعدها صاحب الشهرة العالمية أن أغنية اسماعيل عبد المعين من تراث شرق السودان وهو ضرب من الأغاني يسمى ( الزنجران ) وأكمل حديثه بأن اشجانا بالأغنية نفسها ليغني منها مقطع أو مقطعين ثم يكمل البقية بالأحرف الموسيقية فلم ينسى أنه جاء ليحاضره في ورشة فنية وليس ليحيي حفل موسيقي. قبل أن ينتقل بعدها لآلة البيانو مرة أخرى ولا زال عاصم الطيب قرشي يجيب على استفساري. فعمد إلى مقارنتها بأغنية أخرى من شرق السودان عزف أغنية من أشهر اغاني شرق السودان والتي تغنى عادةً بآلة الربابة وتغنى بمقاطع منها وفعل بها كما فعل بغير حيث اكمل الأغنية بالأحرف الموسيقية.
-أشرت إليه أن يكتب عن اسفاره الطويلة قال لي : أنا بحكي وانتو اكتبو ؟ ألححت عليه في الطلب وأخبرته أنني يمكنني أن اسجل احاديثه تلك كنوع من أدب الرحلات وأقوم بتفريغ الأحاديث على الورق وأراجعها معه قبل أن انشرها. فتخيلتني وأنا اطرق أزقة حي المسالمة الأمدرمانية وقد صاحبته لأستراليا وكنت معه كحال النبيين يوشع بن نون مع موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام.... فتأمل.
مزمل الباقر
4 مايو 2016م
كلية الموسيقى والدراما – الخرطوم
Comments