مجزرة الخرطوم ( 4)

تعرضت في الحلقة الثالثة من هذه المقالات – وبحسب التسلسل السردي لصاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) الأستاذ حسن الطاهر زروق – تعرضت بالكتابة عن ما انتهت إليه أرواح كل من المقدم بابكر النور ، المقدم محمد أحمد الريح والرائد فاروق عثمان حمد الله. وأواصل في هذه الجزئية من المقالات استعراضي للكتاب محور الحديث وكنت قد ختمت المقال السابق بأني قد وعدت جمهور القراء بأن استأنف كتابتي بالشخصية الثامنة التي أراد جعفر محمد نميري أن يجعلها شاهد ملك.

محمد أحمد الزين:

( بعد انتهاء المقاومة في أم درمان اتجه الشهيد إلى الخرطوم. وهناك عرج على منزله وودع والده ووالدته. وقبل طفله الوليد الصغير واستقل عربة أجرة إلى حي الشجرة، واتصل تلفونيا بمعسكر الشجرة وأخبر مأمون عوض أبو زيد بأنه في طريقه إليهم ). ( مجزرة الشجرة: ص 25 ).

هذه المرة نحن – معشر القراء – أمام أحداث مختلفة فالرائد/ محمد أحمد الزين يتجه بنفسه لتسليم روحه لمعسكر الشجرة، وكان أن ( حاول السفاح أن يساومه ليقف شاهد ملك في المحكمة ويضمن له سلامة عنقه. فرفض. ودامت المساومة ثلاثة أيام متصلة ). ( مجزرة الشجرة: ص 25 ).

ثم يتجه بنا المؤلف لوقائع المحاكمة ( وأخيراً انعقدت المحكمة برئاسة محمود عبد الرحمن الفكي وعضوية العقيد فضل المولى إبراهيم، وآخر وحكم عليه بالإعدام. وبعد صدور الحكم جدد السفاح محاولته في المساومة ولكن الشهيد رفض كل ذلك). (مجزرة الشجرة: ص 25)

ثم يروي لنا صاحب ( مجزرة الشجرة ) في ذات الصفحة ما دار بين الرائد/ محمد أحمد الزين ورفقاه في المعتقل (ولما سأله المعتقلون عن الحكم قال في هدوء: "حكموا علي بالإعدام. ولكنهم أمهلوني حتى صباح الغد كي أوافق على طلبهم بأن أكون شاهد ملك. ولكنني أرفض هذا الطلب". وأضاف: "الحياة فعلاً مغرية ولذيذة، لكن لو قبل الإنسان أن يكون شاهد ملك سيعيش معذباً طول حياته. أوعى أي واحد فيكم يقبل أي عرض من هذا النوع. الجماعة ديل قرروا يعدموا خمسة وعشرين واحد مننا".) ( مجزرة الشجرة: الصفحات 25 – 26 ).

وتنتهي سيرة الرائد/ محمد أحمد الزين ولكن هذه المرة ليست بساحة الإعدام وإنما بصدور الرجال ( ... وقال للضباط من حوله: "ما في واحد يدلي بأي معلومات. لأن الواحد لو اعترف أو ما اعترف حيعدموه. وحيجي يوم الناس تقرأ في المحاكمات وتعرف الحقائق". كان ثبات الشهيد محمد الزين مضرب الأمثال وحديث الجنود لفترة طويلة). (مجزرة الشجرة: ص 26 ).


معاوية عبد الحي:

هكذا يسرد الاستاذ حسن الطاهر زروق سيرة الشخصية التاسعة بكتابه وهو النقيب/ معاوية عبد الحي ( سلم الشهيد معاوية نفسه في القيادة العامة للمقدم عبد القادر محمد أحمد، الذي سلمه للملازم حسب الله نوجا من جنود المظلات. وقد قام هذا الملازم مع بقية جنود المظلات بتعذيب الشهيد تعذيباً وحشياً، ومزقوا ملابسه ونقلوه إلى معسكر الشجرة بالملابس الداخلية فاقداً للواعي مكتوفاً تسيل منه الدماء وألقوا به في غرفة قذرة. ثم حملوه إلى المحكمة وقد تهشمت عظام رأسه، ومنها إلى ساحة الإعدام بعد لحظة وجيزة). (مجزرة الشجرة: الصفحات 26 – 27)

محجوب إبراهيم:

( عندما كان الشهيد محجوب بغرفة القرقول مع المعتقلين، حضر السفاح وبدأ يستفزه، وخاطب الضباط قائلاً: "غشوكم الصعاليك ديل (هؤلاء) وديل عملاء الشارع يطالب بإعدامكم وأنا حأعدمكم كلكم". لم يرد الشهيد على عبارات السفاح البلهاء، بل التفت لأحد الضباط وقال له: (نميري وجد فرصة فيني وحيعدمني ويعدم أكبر عدد من الناس – وأنا بالذات لو اشتركت في الحركة أو ما اشتركت، حيعدمني لأسباب شخصية ودي فرصة وما ممكن يضيعها). ( مجزرة الشجرة ص 27 )

في بداية حديث صاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) نكتشف نحن – معشر القراء – ما انتهى إليه معاصرو جعفر محمد نميري أن الأخير يعمد كثيراً لأستفزاز خصومه وإذا تسني لي أن اسميها فلعلني اسميها بمتلازمة الاستفزاز عن الرئيس المخلوع النميري – وهذا حديث آخر كما يقول أديبنا علي المك – ولكن استاذ حسن الطاهر زروق لم يشر لهذه الأسباب الشخصية التي يبدو أن المقدم / محجوب إبراهيم والشهير ب(طلقة) لم يفصح عنها.

بل انتقلنا – نحن قراء الكتاب- في الفقرة التي تلت إعلان المقدم/ محجوب إبراهيم ( طلقة ) لزملائه المعتقلين بغرفة (قرقول الشرف) لحديث له علاقة بالمقدم / عثمان حاج حسين الذي اشتهر ب(أبشيبه) – والذي جاء ذكره في الحلقة الثانية من هذه المقالات – وهذا الحدث يتمثل في وصول وصية أبشيبه للضباط المعتقلين (... يقول فيها: "أثبتوا، لا تذكروا أسم أي شخص معتقل أو غير معتقل في التحقيقات. وكل واحد يحافظ على كرامته ولا يقبل أي مذلة من إنسان. ولو أعدم منكم يعدم بشرف وكرامة". وتناقل الشهيد محجوب وصية أبشيبة مع بقية المعتقلين). (مجزرة الشجرة ص:28).

ولأن – بحد التعبير الشهير – الناس على دين ملوكهم يحدثنا صاحب ( مجزرة الشجرة ) عن استفزاز آخر تعرض له رهط المعتقلين – وبمن بينهم بالتأكيد المقدم/ محجوب إبراهيم – هذه المرة لم يكن الاستفزاز صادراً عن شخصية مستفزة كالنميري ولكنه (( وعندما دخل الرائد/ فتحي أبو زيد وأخذ يستفر بعض الضباط زجره الشهيد محجوب: "ما تستفز الناس، الناس ديل لسع المحاكم ما ادانتهم" )). (مجزرة الشجرة ص:28).

ويسدل المؤلف الستار ((.. وعندما استدعوا الشهيد لساحة الإعدام ودع زملاءه واخرج ما لديه من سجائر وكبريت، وقدمها لهم قائلاً: "هاكم السجاير والكبريت ده ينفعوكم هنا. بس أدوني سجارة واحدة أصل بيها الدروة". وقف الشهيد مبتسماً وأصلح هندامه ومسح حذاءه وخرج وهو يهتف بحياة الشعب السوداني وثورته.)) (مجزرة الشجرة ص:28).

اتوقف هنا على أن أواصل في الحلقة الخامسة بإذن الله عرضي لكتاب ( مجزرة الشجرة ) لحسن الطاهر زروق بالكتابة عن الشخصية الحادية عشر والتي بادراها النميري فور وصولها لمعسكر الشجرة بالاستفزاز: ( يا جبان !!!!!! ). 



Comments