علي عبد القيوم .. سلفادور دالي الشعر السوداني


علي عبد القيوم .. سلفادور دالي الشعر السوداني

علي أحمد عبدالقيوم ( 1943 - 1998) ولد في قرية القرير (شماليّ السودان)، وتوفي في مدينة أم درمان. عاش في السودان، والكويت، وبولندا، وقبرص، ومصر، والأردن. تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدينة ود مدني، والثانوي في مدرسة أم درمان الأهلية، ثم التحق بجامعة الخرطوم وحصل على ليسانس الآداب، ثم قصد بولندا واستكمل دراسته العليا في الإخراج السينمائي. عمل موظفًا للعلاقات العامة بمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية في دولة قطر، كما عمل مترجمًا وكاتبًا لسيناريو الأفلام الوثائقية في عدد من المؤسسات العربية في الكويت، منها: معهد الكويت للأبحاث العلمية، ثم تولى رئاسة وحدة الإنتاج بمؤسسة السينما السودانية (1981 - 1983)، كما تعاون مع شعبة الإعلام بمعهد الدراسات الإضافية بجامعة الخرطوم، وتصدّى لتدريس تاريخ ونظرية السينما والنقد التطبيقي بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح. كان عضوًا بجماعة أبا دماك بجامعة الخرطوم، وعضو جماعة الشعراء والكتّاب التقدميين. مثّل بلاده في مؤتمر الكتّاب الأفروآسيويين في نيودلهي (1970)، ومثّلها في لجنة الثقافة السينمائية بالكويت.
- له ديوان: «الخيل والحواجز» - وفيه قصيدته ذائعة الصيت (من ترى أنطق الحجر؟)،
- صدرت له مسرحية «عشرون عاماً على محاكمة صديق»، وفيلم «أربعة أيام في جزيرة سعاد».

شاعر اعتمد نظام قصيدة التفعيلة إطاراً فنياً لتجربته، نظم في عدد من الموضوعات، من أظهرها الموت الذي يمثل الموضوع الأثير لديه، وقد توزع على مساحة كبرى من قصائد ديوانه الوحيد، راثيًا ومفلسفًا الموت باحثًا عن تباشير الحياة عبر النضال، ومن ثم تجلّت مفردات الموت وصوره، وفرض مفرداته على معجم قصائد الشاعر:
«الموت»، «قتيل»، «بكائية»، «اليتامى»، كما طرح المعجم نفسه على عناوين القصائد: كما في قصيدته: «الموت فوق صدرها»، و«بكائية على المك»، اتسمت لغته بالقوة وأسلوبه بالإحكام ورؤيته بالعمق وصوره بالجدة....
تغنى له فنان افريقيا الأول.. الهرم الشامخ: محمد وردي .. بأغنيتين: اي المقاصل لما نغازل بالثبات وقارها .. كما غنى له اغنية ( بسيماتك ) .. والتي يقول في احدى مقاطعها

واشوف شفع بتجاروا في تلال خديك
ويلعب مرجيحة بضافيرك
ويأشروا للقميرة التايهه دورين في المناديل




قمر السلام
بكائية الشاعر المرهف: على عبد القيوم .. يرثي فيها صديقه الأديب المتفرد: بروفسور/ علي المك

هاانذا انادم قمرا سابحا فى فضاء السديم
...
احيك يا صاحبى مثلما جئتنى فى بواكير ذاك الصباح
جئتنى وابتسامتك المخملية تجلو ثناياك
تشملنى برعايتك الباسقة
يا لها من قصيدة
لم اكن قد رأيت الفصيدة منشورة بعد
جئت يا صاحبى تتأبط منشرحا
باقة من زهور مودتك الصادقة
وقصيدتى الاختيار
وتداعبنى
ايها المتدثر بالشعر
هل انت صوفى هذا الزمان
سيقتلك العشق
هل استخرت المنايا
ونضحك...يندهش البعض من حولنا
انت صاحبهم اجمعين
كيف تأتى حفيا بشعرى الى مكتبى
وهم يحسبون فؤادى حجرا
وجلسنا
بيننا قهوة لم تكن جيدة
بيننا صحن فول ان عز بوخ الشواء
مزاحك ينعش حتى موات المكاتب-يا صاحبى
ثم تسالنى فجاة.. لغة الحزم تطغى
ماذا ستفعل بالشعر
اين دواوينك السابقة
يا صديق الخليل
ويا ارحم الناس بالمبدعين
لماذا تدللنا هكذا؟
...
هاهو الان عبد العزيز يبكيك بوحا شجيا
تنزى هنا ..فى العزاء الكبير
ها صلاح توسط عقد اليتامى
وها انت تاج على هامة النيل
لا يحتويك الغياب ولا يحتويك الرحيل
تحتويك البلاد التى اوغلت فى العويل
يحتويك الاديم الذى شاد مجد الطوابى
واستضاف فناء القماير
تحتويك المدائح صداحة بين صمت المقابر
تحتويك المدينة تلك التى
لم تغادرها طائعا
انت غادرتها
حينما سادها الجهل فجا
قبيحا
واستباها العساكر
اننى اجلس الان فى مرقص يحتويك ولا
يحتويك
انهم يرقصون ولا يرقصون
جمعوا حول نعشك ما قد تبقى من
بساتينهم
من زهور الربيع
ومضوا يصعدون
انهم يقصدون مقامك ذاك الرفيع
انهم عاشقون كما كنت دوما
استهاموا بسيرتك العبقرية
كيف تجمع بين البساطة والعمق..يا صاحبى
هكذا باغتونى بهذا السوأل التليع
كيف تجمع بين البساطة والعمق حقا؟
كيف تجمع فى الفة بين هذا وذاك؟
فى الماتم انت المواسى
فى الهزائم انت الذى يتصدى
ساطعا للهزيمة
فى البواكير انت الندى والشعاع
حينما يحكم القحط انت الذراع
الذراع الذى طال جوع اليتامى
ومضى يتنامى
ممسكا بتلابيب احزاننا
داعيا للتماسك
مستنفرا قدرة البهجة العارمة
رافضا سطوة السلطة الظالمة
كيف مازجت هذا بذاك
يا لمكرك يا صاحبى
اتمازحنا بمماتك
منسحبا هكذا
دونما ومضة من وداع
...
يا على المعلى
يا رحاب المودة
يا طفل الفضاء الرحيب ويا تاجنا
قد تجلى
يا على المعلى
هل يفتديك دعاء المريدين
قد زاحموا بعضهم حول نعشك
حين اصبح بهو المطار مصلى؟
هل يحيطك الضريح بما فيك من لهف
للحياة الجميلة؟
...
هل تحيط المقابر بالنهر يركض منتعشا
ناشرا فى فضاء البلاد الجريحة اشرعة
ناسجا فوق كل الضفاف خميلة؟
هل يحيط الضريح بما فيك من لهف
للحياة الجميلة؟
كأنى بصوتك قد جاءنى خلسة
...
يترنم ممتزجا بنحيب الارامل
ويح قلبى المانفك خافق
فارق امدرمان باكى شاهق
ما هو عارف قدمو المفارق
يا محط امالى السلام
وياتيك رجع الصدى يا صديقى
بصوت البلاد التى لا تنافق
فى يمين النيل حيث سابق
كنا فوق اعراف السوابق
الضريح الفاح طيبو عابق
السلام يا المهدى الامام
ماهو عارف قدموا المفارق
يا محط امالى السلام
السلام يا قمر السلام
السلام يا قمر السلام

على عبد القيوم
1993

عندما تقرأ على عبد القيوم، قصيدة: الخيل والحواجز  تجد نفسك كأنك وجهاً لوجه أمام لوحة: المستلقية لسلفادور دالي.. فلو كان هنالك حد للأبداع فإن شاعرنا قد تجاوزه في سهولة ويسر. ولكنه الموت قد أدركه ولحق بخيله بعد ان تجاوزت حواجز الابداع.
يقال : إن الموت نقاد يختار القلائد .. وله موت علي عبد القيوم هو الشاهد على صدق هذه المقولة فهو الأديب الشامل وهو الأكاديمي المتمكن وأهم من كل ذلك فهو إنسان وطني عشق وطنه ولم يتاجر بأشعاره ولم يبيع وطنه كما انه لم يزايد على وطنيته


مزمل الباقر
امدرمان في 18 مايو 2010م
 



نشر بصحيفة سودانايل الإلكترونية بتاريخ 2 نوفمبر2012م
http://www.sudanile.com/2008-05-19-17-39-36/34-2008-05-19-17-14-27/46358-2012-11-03-19-11-22.html

بصحيفة حريات الإلكترونية عدد الثلاثاء 4 نوفمبر2012م
254
وفي أمسية نفس اليوم نشر بصحيفة سودانيات الإلكترونية
 http://sudanyiat.net/articles.php?action=show&id=5543



كما نشرت بصحيفة البداية المصرية بتاريخ 1 يناير 2013م
http://www.albedaiah.com/node/13712


Comments