بشرى الفاضل .. وأقاصيصه التي أطارت عصافيرنا ( 3 – 4 )
( خرج جدي البصير النابه عبيد ود نقد، رأسه مشغول بهموم الناس والأرض .. غرق حتى أذنيه في مفصل التفاصيل .. حط قاربه في فيء الدومة واستظل بوارف ظلها .. خمس دومات سقطت فوق رأسه .. لم يمت جدي بفعل الدومات ولم يكتشف قانون الجاذبيه !! كدمة ظاهرة بقيت لعدة أيام في مقدمة رأسه).
( نيوتن ) ص 52
الطفابيع:
يفتتح بشرى الفاضل ( الطفابيع ) وهي القصة الخامسة بمجموعته القصصية محور المقالات بأبيات لصلاح عبد الصبور كمدخل لاحداث القصة :
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله،
ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك
ويشير الكاتب في الفقرة الثانية من ( الطفابيع ) إلى السنة التي دارت فيها احداث قصته ( في تلك السنة اختلط الحابل بالنابل، لم يعد المرء يشعر بالاطمئنان على حقه في أن يكون له بيت يأوي إليه أو قطعة خبز تشبعه وامتد الأمر إلى الأعضاء فجأة تجد من ينازعك في قارعة الطريق، زاعماً أن الرجل التي تتدحرج عليها ليست رجلك، والرأس التي تفكر بها استوردها فلان وانقسم الناس بين قصابين بشريين يحملون سكاكينهم وفؤوسهم وذبيح بشري حى يقطعون ايديه قبل رؤوسه). القصة ص (37)
تواصل القصة في وصف سلوك الطفابيع وما يترتب على ذلك السلوك من ضحايا بشرية وحتى لا تننشغل كثيراً بالمفردة ( الطفابيع ) عن ما يجري من احداث في صياغ النص يورد الكاتب تعريفاً لمفردته تلك واستميح القراء الكرام عذراً بأن اورد التعريف بالكامل ضمن هذا المقال لما في التعريف من طرفة:
( الطفابيع كلمة جئت بها من عندي، كما يبتدع الأطفال الكلمات. ومفرد الطفابيع طفبوع كقولك في جرابيع جربوع والطفوع هو المقابل الهزلي للسفاح. ففي حين أن السفاح يقتل فتنجم عن فتكه بالآخرين صدمة مريرة، نجد أن الطفبوع يقتل بصورة مباغته ومأساويه للحد الذي تدخل فيه المأساة في إقليم الكوميديا فيضحك الناس في الظاهر ويدونون ابتساماتهم في ذاكرتهم المؤقتة ويختزنون احزانهم في ذاكرتهم الجمعية الدائمة. وفيما أورده جمال محمد أحمد طيّ " سالي فوحمر " بعنوان " جمجمة تتكلم " خير مثال للقتل على الطريقة الطفبوعية حيث ذكر أن رجلاً سمع جمجمة تتكلم في غابة فسألها عن سرها فقالت جاء بي إلى هنا لساني. وذهب وحكى عنها وعاد بمن يرغب في التأكد فلم تتكلم الجمجمة فكانت سبباً في قطع رأس الرجل بتهمة الكذب فأصبحت هناك جمجمتان وفي الليل تكلمت الجمجمة القديمة بعد فوات الأوان قالت: " أما قلت لك جاء بي إلى هنا لساني؟ ".
وكما يوجد قتل طفبوعي يوجد كذلك موت طفبوعي، أوردت الصحف السودانية حادث موت إمرأة في برميل مريسة كان مدفونا في الأرض وذلك عام 1979م بضاحية في الخرطوم.
تجدر الإشارة إلى أن الطفابيع كتبت بموسكو في أواخر 1981م وارسلت للسودان أوائل عام 1983م ولكنها ضاعت قبل النشر فأضاعت بذلك ميقاتها المناسب ووجدت مخطوطتها بين أوراقي فأعدت صياغتها .. ومن عجب أنني قرأت منذ شهرين تكرر حادث موت إمرأة في برميل مريسة إذ نشرت الأيام في صفحة الجريمة تلك الحادثة الجديدة لتضاف لرصيفتها القديمة منذ عام 79 ). ص (40)
الصواريخ:
تروي بشيء من التفصيل ما جرى من أحداث بعد أن استولى الطفابيع على المدينة. ورغم أن بشرى الفاضل قد كتب ( الطفابيع ) و ( الصواريخ ) إبان نظام جعفر نميري ( 25 مايو 1969م – 6 أبريل 1985م ) غير أن أحداثهما تماثل ما يحدث في السودان الأخيرة ولعل شاهدي في ذلك الفقرات الأولى للقصة نفسها ( الصواريخ ):
( استولى الطفابيع في مدينتنا على دور العبادة، وكان عدد تلك هائلاً، ولم نستبين خطتهم في الاستيلاء، ولم نعرف تاريخها، بيد أننا صحونا ذات فجر فوجدنا مؤذنا طفبوعياً جهير الصوت في كل مئذنة، وإماماً طفبوعياً مطبوعاً في كل دار عبادة. وكانوا يأذنون لنا بدخول تلك الدور، وفي عيونهم شرر يتطاير مع الضغينة المدغمة في سلام السنة. الذي يرعدون به في وجه كل داخل من المصلين الذين هم ليسوا من بني جلدتهم كأي واجب. سلام بالالفاظ وسيق الأئمة السابقين فدقت أعناقهم وابتعد الطفابيع رويداً رويداً عن دين آبائنا فجاءوا بصلوات من عندهم ). القصة ص (41)
وبالمثل نجد في النص احداث يرويها الكاتب تماثل – إن لم تطابق – ما يجرى في السودان من احداث في هذه الفترة من عمر الدولة السودانية ( ثم أمر كبير الطفابيع فتحرك الجيش فصائل – فصائل، كل قصد ناحية بالمدينة واستعجب الناس فتعداد كل فصيلة كان بالضبط كمضاعف عدد المساجد حتى يكون هناك امام ومؤذن طفبوعان لكل جامع. وكان المصلون هنالك قبل انبلاج الفجر. وهكذا أصبح الآذان شكلياً، ولو أن الطفبوع الرهيب أذن في قلة ودخل، لوجد حضورنا مكتملاً، وكان بيننا شخص مرعوب، أحضر معه بعض أغنامه ودجاجه، وعندما سأله المأموم الطفبوعي مستنكراً، أجاب خائفاً:
أليست مؤمنة بالمعبود مثلنا؟
فتركوه ريثما يجزون الصفوف، ثم عادوا فانتهروه فخرج بأغنامه متكئاً ينضج دماً. واندلق المسكين كلية بينما كان في السكة لبيته). القصة. ص (42)
النفس الأخير:
( وفي الدروة شدوا وثاقه اكثر وحجبوا العالم عن عينيه بضمادة ورجا الرجل الصامت معصوب العينين رئيس الفصيل تنفيذ طلب له أخير وكان الضابط بعيداً جداً عن قناعات الرجل الصامت. وكان ذلك يحرك نواياه في هذه الساعة ولذلك فإنه أجاب بنفاذ صبر:
- طلباتك شنو؟ ما تموت موتك زي الرجال ما بموتوا.
- عايز لو سمحت أولع سيجارة أخيرة.
- طيب .. الله يطولك يا روح لكن أنا ما عندي سيجارة " مخاطباً الجنود":
- في حد عندو سيجارة؟
وقاطعه الرجل الصامت المعصوب العينين:
- لا أنا عندي سجائر .. بس عايز وكت أشرب فيه واحدة
- طيب.
واخرج الرجل الصامت المعصوب العينين بمساعدة الضابط لفافة من جيبه ووضعها في فمه وهتف بصوت جهير حتى سمعه الضابط والجنود معاً:
- ولعة لو سمحتم.
وصاح الضابط في جنوده:
- في حد معاهو كبريت؟
وأجاب الفصيل: لا أبداً سعادتك
وقال الضابط بصوت محايد:
- لا يوجد كبريت. افتكر بعد دا ننفذ
وكانت إجابة الضابط تحصيل حاصل إذ أن الرجل الصامت قد سمعها من الجنود. وهز رأسه بأسف ثم أمسك اللفافة بين اسنانه وشفتيه واتخذ وقفة التصميم التي تدرب عليها منذ ليلة التوقيف. كان رأس الشهيد في حاجة إلى ( كيف ) اخير من هذا العالم الذي يحب ). القصة. ص (45)
لعل الكاتب في قصته ( النفس الأخير ) يروي بطريقته الخاصة أو لعله – إن شئت – يعيد رواية – كيف مات ( جوزيف قرنق ) حيث تشير عدد من الروايات الثويقية وغير التوثيقية بأن جوزيف قرنق وهو في طريقه إلى المشنقة كان رابط الجأش يشعل لفافة بفمه.
ولابد ها هنا من إلقاء بعض من الضوء على جوزيف قرنق. حيث يشير موقع ويكبيديا إلى انه ( أول طالب جنوبي يلتحق بكلية القانون ) ويعرفه بأنه ( سياسي سوداني جنوبي ولد في قرية جنوبية في أطراف التونج قرب مدينة واو، والتحق بكلية القانون بجامعة الخرطوم وتخرج منها. وانضم حوالي العام 1955م إلى الحزب الشيوعي السوداني. كان نائباً عن الحزب الشيوعي في البرلمان 1965م – 1969م وعمل وزيراً لشئون الجنوب. واغتيل في يوليو 1971م إبان حكم الرئيس السوداني السابق جعفر نميري).
هاء السكت:
الصفحات (47 - 50 ) تشغلها عشرة قصص قصيرة جداً. وهي حسب الترتيب ( هاء السكت )، ( مصيبة )، ( تطلع )، ( عصامي )، ( كاتب )، ( محارب )، ( تكنوقراطي )، ( فاتنة )، ( أغلبية ) و ( عدوى )
يحكي بشرى الفاضل في قصصه القصيرة جداً عن احداث مختلفة ومشاهد غير مماثلة وأبطال مختلفين. غير أن الرابط بينها عبارة ( هاء السكت فسكت ) ودائماً ما تسبق هذه العبارة بفعل ( أصاب ) مستنداً في الغالب إلى ضمير.
( هاء السكت – وقيل هاء الوقف أو هاء السكوت – مرض يشل قوى التفكير والحيل ويحل في زمن المنعطفات إذ تنتاب المصاب به حيرة لا قبل له بها فليتزم الصمت.
مثال ذلك شاب عينوه كاتباً ففرح وتحرك حركة فعينوه باشكاتباً. ثم تحرك حركتين فعينوه مديراً للقسم ثم تحرك حركة ذات أبعاد فعينوه مديراً للمصلحة ووعدوه بوكالة الوزارة فتحرك حركة عظمى فعينوه وكيلاً للوزارة. وقيل له تحرك أكثر تكن وزيراً. وجاء يوم أخرج فيه مخزونه الحركي واستعد وتحفز وقبل البدء دهمه قرار من ذوي الشأن فألقى به قرب شباك المعاشات وهناك أصابته هاء السكت فسكت). القصة. ص (47)
- أواصل بإذن الله -
4 يونيو 2015م
( نيوتن ) ص 52
الطفابيع:
يفتتح بشرى الفاضل ( الطفابيع ) وهي القصة الخامسة بمجموعته القصصية محور المقالات بأبيات لصلاح عبد الصبور كمدخل لاحداث القصة :
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله،
ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك
ويشير الكاتب في الفقرة الثانية من ( الطفابيع ) إلى السنة التي دارت فيها احداث قصته ( في تلك السنة اختلط الحابل بالنابل، لم يعد المرء يشعر بالاطمئنان على حقه في أن يكون له بيت يأوي إليه أو قطعة خبز تشبعه وامتد الأمر إلى الأعضاء فجأة تجد من ينازعك في قارعة الطريق، زاعماً أن الرجل التي تتدحرج عليها ليست رجلك، والرأس التي تفكر بها استوردها فلان وانقسم الناس بين قصابين بشريين يحملون سكاكينهم وفؤوسهم وذبيح بشري حى يقطعون ايديه قبل رؤوسه). القصة ص (37)
تواصل القصة في وصف سلوك الطفابيع وما يترتب على ذلك السلوك من ضحايا بشرية وحتى لا تننشغل كثيراً بالمفردة ( الطفابيع ) عن ما يجري من احداث في صياغ النص يورد الكاتب تعريفاً لمفردته تلك واستميح القراء الكرام عذراً بأن اورد التعريف بالكامل ضمن هذا المقال لما في التعريف من طرفة:
( الطفابيع كلمة جئت بها من عندي، كما يبتدع الأطفال الكلمات. ومفرد الطفابيع طفبوع كقولك في جرابيع جربوع والطفوع هو المقابل الهزلي للسفاح. ففي حين أن السفاح يقتل فتنجم عن فتكه بالآخرين صدمة مريرة، نجد أن الطفبوع يقتل بصورة مباغته ومأساويه للحد الذي تدخل فيه المأساة في إقليم الكوميديا فيضحك الناس في الظاهر ويدونون ابتساماتهم في ذاكرتهم المؤقتة ويختزنون احزانهم في ذاكرتهم الجمعية الدائمة. وفيما أورده جمال محمد أحمد طيّ " سالي فوحمر " بعنوان " جمجمة تتكلم " خير مثال للقتل على الطريقة الطفبوعية حيث ذكر أن رجلاً سمع جمجمة تتكلم في غابة فسألها عن سرها فقالت جاء بي إلى هنا لساني. وذهب وحكى عنها وعاد بمن يرغب في التأكد فلم تتكلم الجمجمة فكانت سبباً في قطع رأس الرجل بتهمة الكذب فأصبحت هناك جمجمتان وفي الليل تكلمت الجمجمة القديمة بعد فوات الأوان قالت: " أما قلت لك جاء بي إلى هنا لساني؟ ".
وكما يوجد قتل طفبوعي يوجد كذلك موت طفبوعي، أوردت الصحف السودانية حادث موت إمرأة في برميل مريسة كان مدفونا في الأرض وذلك عام 1979م بضاحية في الخرطوم.
تجدر الإشارة إلى أن الطفابيع كتبت بموسكو في أواخر 1981م وارسلت للسودان أوائل عام 1983م ولكنها ضاعت قبل النشر فأضاعت بذلك ميقاتها المناسب ووجدت مخطوطتها بين أوراقي فأعدت صياغتها .. ومن عجب أنني قرأت منذ شهرين تكرر حادث موت إمرأة في برميل مريسة إذ نشرت الأيام في صفحة الجريمة تلك الحادثة الجديدة لتضاف لرصيفتها القديمة منذ عام 79 ). ص (40)
الصواريخ:
تروي بشيء من التفصيل ما جرى من أحداث بعد أن استولى الطفابيع على المدينة. ورغم أن بشرى الفاضل قد كتب ( الطفابيع ) و ( الصواريخ ) إبان نظام جعفر نميري ( 25 مايو 1969م – 6 أبريل 1985م ) غير أن أحداثهما تماثل ما يحدث في السودان الأخيرة ولعل شاهدي في ذلك الفقرات الأولى للقصة نفسها ( الصواريخ ):
( استولى الطفابيع في مدينتنا على دور العبادة، وكان عدد تلك هائلاً، ولم نستبين خطتهم في الاستيلاء، ولم نعرف تاريخها، بيد أننا صحونا ذات فجر فوجدنا مؤذنا طفبوعياً جهير الصوت في كل مئذنة، وإماماً طفبوعياً مطبوعاً في كل دار عبادة. وكانوا يأذنون لنا بدخول تلك الدور، وفي عيونهم شرر يتطاير مع الضغينة المدغمة في سلام السنة. الذي يرعدون به في وجه كل داخل من المصلين الذين هم ليسوا من بني جلدتهم كأي واجب. سلام بالالفاظ وسيق الأئمة السابقين فدقت أعناقهم وابتعد الطفابيع رويداً رويداً عن دين آبائنا فجاءوا بصلوات من عندهم ). القصة ص (41)
وبالمثل نجد في النص احداث يرويها الكاتب تماثل – إن لم تطابق – ما يجرى في السودان من احداث في هذه الفترة من عمر الدولة السودانية ( ثم أمر كبير الطفابيع فتحرك الجيش فصائل – فصائل، كل قصد ناحية بالمدينة واستعجب الناس فتعداد كل فصيلة كان بالضبط كمضاعف عدد المساجد حتى يكون هناك امام ومؤذن طفبوعان لكل جامع. وكان المصلون هنالك قبل انبلاج الفجر. وهكذا أصبح الآذان شكلياً، ولو أن الطفبوع الرهيب أذن في قلة ودخل، لوجد حضورنا مكتملاً، وكان بيننا شخص مرعوب، أحضر معه بعض أغنامه ودجاجه، وعندما سأله المأموم الطفبوعي مستنكراً، أجاب خائفاً:
أليست مؤمنة بالمعبود مثلنا؟
فتركوه ريثما يجزون الصفوف، ثم عادوا فانتهروه فخرج بأغنامه متكئاً ينضج دماً. واندلق المسكين كلية بينما كان في السكة لبيته). القصة. ص (42)
النفس الأخير:
( وفي الدروة شدوا وثاقه اكثر وحجبوا العالم عن عينيه بضمادة ورجا الرجل الصامت معصوب العينين رئيس الفصيل تنفيذ طلب له أخير وكان الضابط بعيداً جداً عن قناعات الرجل الصامت. وكان ذلك يحرك نواياه في هذه الساعة ولذلك فإنه أجاب بنفاذ صبر:
- طلباتك شنو؟ ما تموت موتك زي الرجال ما بموتوا.
- عايز لو سمحت أولع سيجارة أخيرة.
- طيب .. الله يطولك يا روح لكن أنا ما عندي سيجارة " مخاطباً الجنود":
- في حد عندو سيجارة؟
وقاطعه الرجل الصامت المعصوب العينين:
- لا أنا عندي سجائر .. بس عايز وكت أشرب فيه واحدة
- طيب.
واخرج الرجل الصامت المعصوب العينين بمساعدة الضابط لفافة من جيبه ووضعها في فمه وهتف بصوت جهير حتى سمعه الضابط والجنود معاً:
- ولعة لو سمحتم.
وصاح الضابط في جنوده:
- في حد معاهو كبريت؟
وأجاب الفصيل: لا أبداً سعادتك
وقال الضابط بصوت محايد:
- لا يوجد كبريت. افتكر بعد دا ننفذ
وكانت إجابة الضابط تحصيل حاصل إذ أن الرجل الصامت قد سمعها من الجنود. وهز رأسه بأسف ثم أمسك اللفافة بين اسنانه وشفتيه واتخذ وقفة التصميم التي تدرب عليها منذ ليلة التوقيف. كان رأس الشهيد في حاجة إلى ( كيف ) اخير من هذا العالم الذي يحب ). القصة. ص (45)
لعل الكاتب في قصته ( النفس الأخير ) يروي بطريقته الخاصة أو لعله – إن شئت – يعيد رواية – كيف مات ( جوزيف قرنق ) حيث تشير عدد من الروايات الثويقية وغير التوثيقية بأن جوزيف قرنق وهو في طريقه إلى المشنقة كان رابط الجأش يشعل لفافة بفمه.
ولابد ها هنا من إلقاء بعض من الضوء على جوزيف قرنق. حيث يشير موقع ويكبيديا إلى انه ( أول طالب جنوبي يلتحق بكلية القانون ) ويعرفه بأنه ( سياسي سوداني جنوبي ولد في قرية جنوبية في أطراف التونج قرب مدينة واو، والتحق بكلية القانون بجامعة الخرطوم وتخرج منها. وانضم حوالي العام 1955م إلى الحزب الشيوعي السوداني. كان نائباً عن الحزب الشيوعي في البرلمان 1965م – 1969م وعمل وزيراً لشئون الجنوب. واغتيل في يوليو 1971م إبان حكم الرئيس السوداني السابق جعفر نميري).
هاء السكت:
الصفحات (47 - 50 ) تشغلها عشرة قصص قصيرة جداً. وهي حسب الترتيب ( هاء السكت )، ( مصيبة )، ( تطلع )، ( عصامي )، ( كاتب )، ( محارب )، ( تكنوقراطي )، ( فاتنة )، ( أغلبية ) و ( عدوى )
يحكي بشرى الفاضل في قصصه القصيرة جداً عن احداث مختلفة ومشاهد غير مماثلة وأبطال مختلفين. غير أن الرابط بينها عبارة ( هاء السكت فسكت ) ودائماً ما تسبق هذه العبارة بفعل ( أصاب ) مستنداً في الغالب إلى ضمير.
( هاء السكت – وقيل هاء الوقف أو هاء السكوت – مرض يشل قوى التفكير والحيل ويحل في زمن المنعطفات إذ تنتاب المصاب به حيرة لا قبل له بها فليتزم الصمت.
مثال ذلك شاب عينوه كاتباً ففرح وتحرك حركة فعينوه باشكاتباً. ثم تحرك حركتين فعينوه مديراً للقسم ثم تحرك حركة ذات أبعاد فعينوه مديراً للمصلحة ووعدوه بوكالة الوزارة فتحرك حركة عظمى فعينوه وكيلاً للوزارة. وقيل له تحرك أكثر تكن وزيراً. وجاء يوم أخرج فيه مخزونه الحركي واستعد وتحفز وقبل البدء دهمه قرار من ذوي الشأن فألقى به قرب شباك المعاشات وهناك أصابته هاء السكت فسكت). القصة. ص (47)
- أواصل بإذن الله -
4 يونيو 2015م
Comments