بشرى الفاضل .. وأقصاصيه التي اطارت عصافيرنا ( 1 – 4 )

( رأيتها قفز الدرويش مكان قلبي. رأيتها فارعة الطول من غير أن تتارجح، قمحية لا كالقمح الذي نعرفه. ولكن كالقمح حين يكون قمحياً مثلها )

حكاية البنت التي طارت عصافيرها ( ص 57 )


عن بشرى الفاضل:

تقول سيرته الذاتيه حتى سنة 1990م حيث تاريخ الطبعة الأولى لمجموعته القصصية ( البنت التي طارت عصافيرها ). تقول السيرة الذاتية انه ولد بأرقي ( شرق مدينة الدبة ) بالشمالية في عام 1952م وانه اسرته تعيش بالجزيرة ( قرية ود البر ) وانه قد تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة ود رحمة بالجزيرة واتبعه بالتعليم الأوسط بمدرسة المدينة عرب ثم ألحقه بالتعليم الثانوي بمدرسة حنتوب الثانوية قبل أن يلتحق بجامعة الخرطوم بكلية الآداب. أما دراساته فوق الجامعية بجامعة ليننغراد بالاتحاد السوفيتي ومعهد بوشكين للغة الروسية بموسكو.
ورغم أن السطر الأخير بالسيرة الذاتية انتهت صلاحيته لكن لا بأس من إضافته للعلم ليس إلا ( ويعمل بشعبة اللغة الروسية – كلية الآداب جامعة الخرطوم )

انتهت صلاحية السطر لأن بروفسير بشرى الفاضل لم يعد موجوداً بجامعة الخرطوم ولا بغيرها من الجامعات السودانية، بل التحق بدول المهجر حينما ضاق به وطنه في ظل نظام الانقاذ الوطني. ليصدر كتابه الثاني ( ازرق اليمامة) في العام 2001م عن دار عزة للنشر والتوزيع. وكتابه الثالث ( فيزيولجيا الطفابيع ) عن دار ( مسارب للطباعة والنشر بالعام 2008م ( وله قصة للأطفال بعنوان ( الحصان الطائر ) ضاعت من الناشر ( دار جامعة ز الخرطوم للنشر ) وله مخطوطة من الأشعار بعنوان ( قصائد في الظل ) " عن موقع : موسوعة التوثيق الشامل، مشاركة بعنوان ( د. بشرى الفاضل سيرة موجزة ) - بقلم: ابراهيم شوك "


عن المجموعة القصصية:

( حكاية البنت التي طارت عصافيرها ) هو عنوان المجموعة القصصية للأديب محور المقال. الطبعة الأولى كانت بالعام 1990م عن معامل التصوير الملون السودانية. وكانت الرسوم الداخلية للرساميين: فتح الرحمن باردوس والطاهر بشرى، عبد الواحد وراق ولودميلا ليفيتنا. يقع الكتاب في خمس وسبعين صفحة من القطع المتوسط.
بالصفحة السابعة كان الإهداء ولأنه اعجبني استميح القراء العذر بنقله بحذافيره:
(( - إلى زوجتي – سابقاً – وهيبة عبد الخالق، تلك التي ماتت قبل أن نتأقلم على حالة زواجنا. ذهبت فجأة. لكن
حزني عليها لم يذهب. وصبراً آل عبد الخالق
أقول إلى الطير: قل كيف ماتت؟
فيهمس لي: استأذن ابن المقفع.
اعتذر إذ طالعتكم بهذا الإهداء المباغت الفاجع
(( - وإلى والدتي نفيسة عبيد نقد، تلك المرأة المدبرة الصلدة الصامدة التي ربتنا على العفاف والكفاف بدأب عقب الغياب المبكر لوالدنا. ترعى الآن احفادها. ومزيداً من الصمود آل نقد
(( - وإلى زوجتي – الآن – لودميلا التي تخلت عن عاصمة من القرن العشرين، سعياً ورائي في القرون الوسطى، وعن الخضرة المنبثقة في ديارها، سعياً ورائي في الصحراء وعن مكاسب الاشتراكية سعياً ورائي في بلد المطففين والطفابيع.
(( - وإلى أصدقائي وصحبي وليمثلهم هنا عبد الله بولا ذلك الشاعر المفكر الإنسان الرسم.

اهدي هذه المحاولات
بشرى الفاضل ))


مقدمات:

تحت هذا العنوان كانت هنالك خمس افادات أو شهادات – إن شئت – توزعت بين الصفحات التاسعة وحتى الثالثة عشر من الكتاب. وهي حسب ترتيبها من حيث رقم الصفحة، إفادة استاذ فضيلي جماع وقد جاءت منقولة من كتابه ( قراءة في الأدب السوداني الحديث )

حيث يرى الأديب فضيلي جماع في كتابه – آنف الذكر – أن بشرى الفاضل قد نظر إلى تشيخوف وأفاد منه في خاصية التهكم – مع اختلاف التجربتين – وأفاد بشرى كذلك من الاسطورة ( الأحجية السودانية ) ثم يضيف فضيلي جماع فيقول: (( ... والأسطورة في قصته تأخذ موقعها كجملة مفيدة في جسم العمل الفني، حتى لكأنها لا تنفصهم عن العملية الابداعية ككل. وهي تختلف شيئاً عن الأسطورة عند الطيب صالح والتي افادت من حكايات المتوصفة )). ص (9)

يرى الأديب الراحل د. خالد الكد أن اسلوب بشرى الفاضل يذكره (( بما ابتدعه الكتاب الايرلنديين من تناول كوميدي لأكثر المآسي عنفواناً ومرارة. وقد نجحوا في تلك المزاوجة نجاحاً فريداً حدا بمؤرخي الأدب أن تنسب إليهم ما تواضعوا على تسميته المنهج " التراجوكوميك" أو " المأسملهوي ". )). ص (9)

ويؤكد خالد الكد ما ذهب إليه باستشهاده بقصص بشرى( ذيل هاهينا مخزن احزان )، ( الغازات )، ( أبشر ) و( حملة عبد القيوم الانتقامية ). ثم يشير الكد إلى مفردات بشرى الخاصة والمميزة واستعارته وتشبيهاته المدهشة: ( وجرى دمعي لا كما يجري دمع امرأة كاذبة في مأتم مفتعل ولكن كالتماسيح المفترى عليها )، ( وكنت متلوياً بالبهجة كعمامة إعرابي يزور المدينة للمرة الثانية )، ( هنا إذاعة ضربة الشمس والسحائي ) .. الخ. ص (9)

يرى السيد/ محمد عبد المنعم. ومعرف بالكتاب بأنه ( قارئ ) يرى أن (( المتعة والانحياز والغواية في هذه الأعمال لا تقف عند حد الحفز والحض من خلال الموقف بل تتسلل غواية القراءة الكبرى. وتسرقك الجملة الأولى عبر العمل. وتلهث عبره ويندلق فيك وتستطرق آنيتاكما فتتناصان ذاتاً واحدة. ولكن بالضبط عند نهاية العمل تنتهي جملة لتبدأ معضلة، معظلتك وحدك بينما يكون الكاتب قد نام قريراً إذ أغواك.

(( أما الأعمال في هذه المجموعة فسمتها الخبب، فالقارئ والكاتب والبطل والموقف الفني والموقف اليومي والمتعة جميعاً كما متظاهرين تبقر القذائف احشاءهم فتندلق امعاؤهم من جنوبهم فيتلقفونها ويستأنفون الهرولة وتلويح القبضات والرضاء الفاعل )). ص (10)
الإفادة قبل الأخيرة دارت سطورها بين الصفحة العاشرة والصفحة الحادية عشرة مزيلة بتوقيع د. أحمد البكري كلية العلوم – جامعة الخرطوم.

(( لعزيزي بشرى من أحمد البكري .. سلام !
البدايات استهلال رائع لميلاد فذ " حينما خرجت الخيول المسرجة تبحث عن فرسانها، ضحكت البيوت على أبوابها وعلى عروشه الشجر إنكفى " ( الطفابيع ). النثر دوزنة إيقاعية حيث يتكئ على جدائل اللغة المعاصرة ويستنيم " عندي مثلك احبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري .. خرجت في ذات يوم من لدنها مليئاً بها حتى غازلني الناس في الشوارع " ( البنت التي طارت عصافيرها ) الوصف تطويع للغة العصية، وخروج عنها. وعودة إليها على ذرى خيال متناسق )). ص (10)

آخر المقدمات أو لعلها الإفادات كانت لبروفسير علي المك وقد زيلت إفادته بتاريخ كتابته فكان الخامس من فبراير للعام 1989. يبتدر على المك حديثه مخاطباً بشرى الفاضل:

(( عزيزي حقاً بشرى
أول شيء اعتذر عن التأخير، أنت اليوم في عهد فتوة الإلهام وأنا، أم نحن؟ في زمان الكهولة ونتصيد الأيام العذبة وأراها تتناقص وتولى: لات هنا ذكرى بلهنيّة العيش! كنت بعهد فتوة الإلهام، أصنع من كل شئ قصة، بعضها لم أنشره ومنها ما لم اكتبه أصلاً، ولكني كنت معجباً بما أصنع، المهم تأتي الموضوعات إلى من كل شئ اسمعه وكل أمر أبصر به وهيهات:

(( تعرف .. زمان أكلة فول يكون بالسمن عند مصطفى صبير يكون بزيت السمسم عند عشماوي: مصدر إلهام، شكلة بالعكاكيز أو حتى بالألفاظ البذئية في دار الرياضة: بعض إلهام. عبور النيل الأبيض في الترماي: إلهام ... )). ص (12)

يواصل الأديب علي المك حديثه فيتعرض للفنان عبد العزيز محمد داؤود ( أبو داؤود ) وأغانيه ولمدينته امدرمان – التي وصفها علي المك في إحدى قصصه بأنها "مدينة من تراب" – ويشبه حاله بحال ( عبد القيوم ) بطل قصة ( حملة عبد القيوم الانتقامية ) والتي جعلها بشرى الفاضل فاتحة مجموعته القصصية ثم يتعرض علي المك لذكرياته مع ( الطفابيع ): (( ثم جاءتني " الطفابيع " في مكتبي، قلت في نفسي، ولم أخبر أحداً غير نفسي، ( هذا الولد مجنون )، جاء بشرى في إجازة نظرت في عينيه فلقيت فيها بريقاً شبه مطفأ الأوار، يتقد حين يتكلم، ثم يضعف إن صمت، ولكنه بريق، ولا ريب )). ص (12)

ويواصل علي المك ذكرياته مع الطفابيع (( .. قرأت الطفابيع تجاوزت مرحلة الدهشة إن سفهني اسمها كأنه يقول لي " هكذا يجب أن تكتب القصة " فهمت. وما قدرت حتى لحظتي هذه أن اتفهّم الدرس. قرأ بشرى زماناً بعدها قصتي " كلب من صبار "، عنده ابتسامة بطعم قراصة التمر. لا تضر القلب ولا المعدة، رغم أنف الأطباء، قال: " يا استاذ اسم نبوية وعبد الحق ليست بأسماء سودانية غيرتها على طول ". )). ص (13)

ويخاطبنا علي المك بصيغة المفرد فيتحدث عن فقده للمخطوطة الوحيدة للطفابيع (( ... تصور بعد أن سافر بشرى إلى حيث يتلقى العلم، ضاعت الطفابيع من مكتبي، كانت فيما قد علمت من بعده، نسخته الوحيدة. خفت خوفاً شديداً. لعنت الذين لاحقوني .. يطردونني من مقام إلى مقام آخر حسبما يشتهون )). ص (13)

إلى أن يقول (( ... تخيلت من الحاقدين جيوشهم تقول " على المك لا يريد لبشرى أن ينتشر في الناس " اتذكر كم كان حقد ( سالييري ) على ( موتسارت ) عظيماً .. سالييري كان مؤلفاً موسيقياً جيداً. ولكنه لم يكن عبقرياً، ولذا فقد لعن الزمان الذي جعله يعيش في عصر موتسارت، وحين خسر سالييري حربه الضروس. قال كلمة الحق واعترف بالعبقري. وليس كمثل سالييري، ولكن بشرى يملك ذلك الناي السحري. والآن عادت الطفابيع من جديد. ولا نامت للحقد أعين)). ص (13)

وبختم علي المك إفادته الشيقة – في رأي – بذات الصفحة بالكلمات التالية:

(( ويا بشرى ..
ما أجمل القول: (( كانت هنالك بلحة وجدت نفسها ضمن أخريات في سبيطة بهامة نخلة. كانت البلحاية أجمل صويحباتها، منسقة وهي تعرف، ولونها زاه وهي تعرف وطعمها حلو

كل قصص المجموعة بلحات حلوات ونضرات.

اعتب عليك أنك تكن لي احتراماً، جله مما لا استحق، وحباً أعرفه، ولكي ترتاح ويصفو قلبك على صفائه الكثير، يسعدني أن تعلم انه ليس حباً طرفه واحد: إني أودك أشد ود، اتشرف أن تكون هذه الكلمات جزءاً من هذا السفر الخالد ... ودمت ))

Comments