القصة عند استيلا قايتانو .. - زهور ذابلة - نموذجاً ( 5 – 5 )
في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات، قمت بسرد سيرة
ذاتية مقتضبة عن كاتبة المقالات والقاصة استيلا قايتانو وتعرضت بالحديث عن
مجموعتها القصصية التي عنونتها بـــ ( زهور ذابلة ) متناولاً حسب الترتيب
التسلسلي: قصة ( كل شئ هنا يغلي "1" : نحو الموت والسجون ).
أما بالمقال الثاني من هذه السلسلة تناولت بالحديث القصة الثانية في المجموعة ( كل شئ هنا يغلي "2" : نحو الجنون )، والقصة الثالثة في مجموعتها وهي قصة ( وليمة ما قبل المطر ). وفي الحلقة الثالثة تواصل الحديث، بدايةً بقصة ( خرائط لعوالم مجهولة) وانتهيت بقصة ( رحيل )
وفي المقالة الرابعة تواصل الحديث عن المجموعة القصصية ( زهور ذابلة ) للكاتبة استيلا قايتانو. وقصتها السادسة والتي عنونتها بــ ( في ليلة قمرية ) و ( زهور ذابلة ) وهي سابعة قصص المجموعة محور المقالات.
في الجزئية الأخيرة من هذه السلسلة ابتدر مقالي بالأقصوصة الثامنة والأخيرة من قصص الكاتبة استيلا قايتانو (( كل شيء فيها كان يذكرني بشجرة الباباي المنتصبة في فناء بيتنا الواسع، طولها الفارع، وقفتها المستقيمة رغم شيخوختها.
(( لا ألمس في جدتي أي جماليات، كنت أراها قبيحة جداً مثل الغوريلا، شفتاها غليطتان، رأسها كبير يصلح للجلوس دون أي متاعب، كان يزين شفتها السفلى ثقب هائل تسده بقطعة من الخشب نحتتها لتكون صالحة لهذا الغرض، عندما تخرج تلك القطعة فإن لعابها كان يسيل عبره، أشهر شيء قبيح فيها أنفها الأفطس، عندما تسمع تعليقاً عن فطاسة أنفها، كانت تقول دون أي جهد في التفكير: يكفي أنني اتنفس به )). ص 75
بتلك الكلمات الفائته تصف الراوية جدتها في الاقصوصة الأخيرة من مجموعة القاصة استيلا قايتانو ( زهور ذابلة ) وقد حملت الأقصوصة عنوان ( بحيرة بحجم ثمرة الباباي ).
الراوية طفلة ذات سنوات عشر تسكن مع جدتها (( في فناء بيتنا الواسع الملئ بالأشجار والخضروات وشجرة الباباي ذات الأثداء الكثر والكبيرة، كانت غرفتنا من القش ذات جدار دائري وباب قصير بحيث يركع من أراد الدخول فيها على ركبته وعندما تدخل تلاقيك ثلاثة مدرجات لتنزل إلى عمق الغرفة، وهناك في نهاية البيت حظيرة تضم أكثر من ثلاثين بقرة، فتزدحم في فتحتي انفك روائح الروث والفواكة والخضروات وروائح جدتي )). ص 76
وتحدثنا الرواية عن اسرتها (( كنا أنا وهي، في كل هذا الصخب، عائلة مكونة من جدة وحفيدة، توفيت أمي وهي تلدني، توفي أبي في رحلة صيد عندما سحقته جاموسة هائجة بقرونها، أما جدي فقد أعدم عندما قتل أحد الإنجليز ممزقاً نحره بالرمح لأن نظرات الإنجليزي لم ترق له، بقيت مع جدتي منذ عمر يوم، أرضعتني حتى العاشرة من عمري، كانت ثدياها مثل ثمرة الباباي في الضخامة وما تحوي من لبن طازج ذو طقعم غير مفهوم ولكنه جميل. كنت أرضع قبل الذهاب بالأبقار إلى المرعى وبعد أن أعود فلا أشتاق إلا لثمرة الباباي الموجودة على صدر جدتي)). ص 77
بعد أن أصبحت الراوية في العاشرة من عمرها منعتها جدتها من الرضاعة وصنعت لها شريحتين من الجلد لتغطي بها جسدها (( جزء ضئيل من الجلد مكون من قطعتين، معلق بحبل جلد لفته تحت السرة يتدلى من الأمام ومن الخلف ساتراً عورتيها)). ص 77
وعندما بلغت الخامسة عشر من عمرها وأثناء سيرها مع جدتها في طريق العودة للمنزل اخبرتها الأخيرة أنها رأت جدها في الواقع وليس في الحلم وكان على شكل تمساح فتدهش الطفلة لذلك وتتساءل:
(( - وكيف عرفتي انه جدي؟
- من تلك العرجة التي كان مشهوراً بها، وصفات أخرى أعرفها أنا فقطن عرفت أننا لا نموت بل نتحول إلى أشياء أخرى نحمل الصفات التي كنا عليها، نتحول ولكن دون ذاكرة فجدك لا يذكرني عندما تحول إلى تمساح.
- وماذا تريد أن تكون جدتي بعد عمر طويل؟
- لا أدرى إلى ما سأتحول، ولكني أتمنى أن اتحول إلى نسر.
ومنذ أن ماتت جدتي وعلاقتي بالنسور قوية، كلما ألمح واحداً أتأمله في تحلقه عسى أن أجد بعض صفات جدتي، ثدي بحجم ثمرة باباي، عيون حمراء جفون منتفخة، ولبن بطعم الملح )). ص 81
عن المجموعة:
وبعد ...
- بيئة معظم شخصيات مجموعة (( زهور ذابلة )) هي بيئة متخلفة حضارياً - أو حضرياً إن شئت - وإن لم تخلو من نبل وكريم أخلاق، فالكل يشقى لأجل الأخرين: الأطفال والزوج ( قصة: كل شئ هنا يغلي )، الحفيدة ( قصة: بحيرة بحجم ثمرة
الباباي )، والأخ يشقى لأجل اخته أو العكس ( قصة: خرائط لعوالم مجهولة ).. الخ.
- للنازحين جغرافياً مساحة كبيرة من قصص المجموعة، وبعضهم يعاني نزوحاً روحياً كغربة الروح تماماً مثلما حدث للشخصية المحورية في أقصوصة ( زهور ذابلة ). ولا تخفي الكاتبة إستيلا قايتانو انحيازها لتلك المجاميع البشرية المهمشة سياسياً
واقتصادياً وربما ثقافياً.
- المجتمع الجنوبي – نسبة لجنوب السودان – كان حاضراً في المجموعة القصصية من خلال شخصية أولير ( وليمة ما قبل المطر ) ومن خلال الشجرة الورافة الظلال ( في ليلة قمرية ) وكذلك من خلال شخصيتي الجدة وحفيدتها ( بحيرة بحجم ثمرة
الباباي ).
مزمل الباقر
الخرطوم بحري في 28 مارس 2013م
أما بالمقال الثاني من هذه السلسلة تناولت بالحديث القصة الثانية في المجموعة ( كل شئ هنا يغلي "2" : نحو الجنون )، والقصة الثالثة في مجموعتها وهي قصة ( وليمة ما قبل المطر ). وفي الحلقة الثالثة تواصل الحديث، بدايةً بقصة ( خرائط لعوالم مجهولة) وانتهيت بقصة ( رحيل )
وفي المقالة الرابعة تواصل الحديث عن المجموعة القصصية ( زهور ذابلة ) للكاتبة استيلا قايتانو. وقصتها السادسة والتي عنونتها بــ ( في ليلة قمرية ) و ( زهور ذابلة ) وهي سابعة قصص المجموعة محور المقالات.
في الجزئية الأخيرة من هذه السلسلة ابتدر مقالي بالأقصوصة الثامنة والأخيرة من قصص الكاتبة استيلا قايتانو (( كل شيء فيها كان يذكرني بشجرة الباباي المنتصبة في فناء بيتنا الواسع، طولها الفارع، وقفتها المستقيمة رغم شيخوختها.
(( لا ألمس في جدتي أي جماليات، كنت أراها قبيحة جداً مثل الغوريلا، شفتاها غليطتان، رأسها كبير يصلح للجلوس دون أي متاعب، كان يزين شفتها السفلى ثقب هائل تسده بقطعة من الخشب نحتتها لتكون صالحة لهذا الغرض، عندما تخرج تلك القطعة فإن لعابها كان يسيل عبره، أشهر شيء قبيح فيها أنفها الأفطس، عندما تسمع تعليقاً عن فطاسة أنفها، كانت تقول دون أي جهد في التفكير: يكفي أنني اتنفس به )). ص 75
بتلك الكلمات الفائته تصف الراوية جدتها في الاقصوصة الأخيرة من مجموعة القاصة استيلا قايتانو ( زهور ذابلة ) وقد حملت الأقصوصة عنوان ( بحيرة بحجم ثمرة الباباي ).
الراوية طفلة ذات سنوات عشر تسكن مع جدتها (( في فناء بيتنا الواسع الملئ بالأشجار والخضروات وشجرة الباباي ذات الأثداء الكثر والكبيرة، كانت غرفتنا من القش ذات جدار دائري وباب قصير بحيث يركع من أراد الدخول فيها على ركبته وعندما تدخل تلاقيك ثلاثة مدرجات لتنزل إلى عمق الغرفة، وهناك في نهاية البيت حظيرة تضم أكثر من ثلاثين بقرة، فتزدحم في فتحتي انفك روائح الروث والفواكة والخضروات وروائح جدتي )). ص 76
وتحدثنا الرواية عن اسرتها (( كنا أنا وهي، في كل هذا الصخب، عائلة مكونة من جدة وحفيدة، توفيت أمي وهي تلدني، توفي أبي في رحلة صيد عندما سحقته جاموسة هائجة بقرونها، أما جدي فقد أعدم عندما قتل أحد الإنجليز ممزقاً نحره بالرمح لأن نظرات الإنجليزي لم ترق له، بقيت مع جدتي منذ عمر يوم، أرضعتني حتى العاشرة من عمري، كانت ثدياها مثل ثمرة الباباي في الضخامة وما تحوي من لبن طازج ذو طقعم غير مفهوم ولكنه جميل. كنت أرضع قبل الذهاب بالأبقار إلى المرعى وبعد أن أعود فلا أشتاق إلا لثمرة الباباي الموجودة على صدر جدتي)). ص 77
بعد أن أصبحت الراوية في العاشرة من عمرها منعتها جدتها من الرضاعة وصنعت لها شريحتين من الجلد لتغطي بها جسدها (( جزء ضئيل من الجلد مكون من قطعتين، معلق بحبل جلد لفته تحت السرة يتدلى من الأمام ومن الخلف ساتراً عورتيها)). ص 77
وعندما بلغت الخامسة عشر من عمرها وأثناء سيرها مع جدتها في طريق العودة للمنزل اخبرتها الأخيرة أنها رأت جدها في الواقع وليس في الحلم وكان على شكل تمساح فتدهش الطفلة لذلك وتتساءل:
(( - وكيف عرفتي انه جدي؟
- من تلك العرجة التي كان مشهوراً بها، وصفات أخرى أعرفها أنا فقطن عرفت أننا لا نموت بل نتحول إلى أشياء أخرى نحمل الصفات التي كنا عليها، نتحول ولكن دون ذاكرة فجدك لا يذكرني عندما تحول إلى تمساح.
- وماذا تريد أن تكون جدتي بعد عمر طويل؟
- لا أدرى إلى ما سأتحول، ولكني أتمنى أن اتحول إلى نسر.
ومنذ أن ماتت جدتي وعلاقتي بالنسور قوية، كلما ألمح واحداً أتأمله في تحلقه عسى أن أجد بعض صفات جدتي، ثدي بحجم ثمرة باباي، عيون حمراء جفون منتفخة، ولبن بطعم الملح )). ص 81
عن المجموعة:
وبعد ...
- بيئة معظم شخصيات مجموعة (( زهور ذابلة )) هي بيئة متخلفة حضارياً - أو حضرياً إن شئت - وإن لم تخلو من نبل وكريم أخلاق، فالكل يشقى لأجل الأخرين: الأطفال والزوج ( قصة: كل شئ هنا يغلي )، الحفيدة ( قصة: بحيرة بحجم ثمرة
الباباي )، والأخ يشقى لأجل اخته أو العكس ( قصة: خرائط لعوالم مجهولة ).. الخ.
- للنازحين جغرافياً مساحة كبيرة من قصص المجموعة، وبعضهم يعاني نزوحاً روحياً كغربة الروح تماماً مثلما حدث للشخصية المحورية في أقصوصة ( زهور ذابلة ). ولا تخفي الكاتبة إستيلا قايتانو انحيازها لتلك المجاميع البشرية المهمشة سياسياً
واقتصادياً وربما ثقافياً.
- المجتمع الجنوبي – نسبة لجنوب السودان – كان حاضراً في المجموعة القصصية من خلال شخصية أولير ( وليمة ما قبل المطر ) ومن خلال الشجرة الورافة الظلال ( في ليلة قمرية ) وكذلك من خلال شخصيتي الجدة وحفيدتها ( بحيرة بحجم ثمرة
الباباي ).
مزمل الباقر
الخرطوم بحري في 28 مارس 2013م
Comments