القصة عند استيلا قايتانو .. - زهور ذابلة - نموذجاً ( 4 – 5 )

في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات، قمت بسرد سيرة ذاتية مقتضبة عن كاتبة المقالات والقاصة استيلا قايتانو وتعرضت بالحديث عن مجموعتها القصصية التي عنونتها بـــ ( زهور ذابلة ) متناولاً حسب الترتيب التسلسلي: قصة ( كل شئ هنا يغلي "1" : نحو الموت والسجون ). أما بالمقال الثاني من هذه السلسلة تناولت بالحديث القصة الثانية في المجموعة ( كل شئ هنا يغلي "2" : نحو الجنون )، والقصة الثالثة في مجموعتها وهي قصة ( وليمة ما قبل المطر ). وفي الحلقة الثالثة تواصل الحديث، بدايةً بقصة ( خرائط لعوالم مجهولة) وانتهيت بقصة ( رحيل )

أواصل في هذة المقالة الرابعة الحديث عن المجموعة القصصية ( زهور ذابلة ) للكاتبة استيلا قايتانو. وقصتها السادسة والتي عنونتها بــ ( في ليلة قمرية ).


في ليلة قمرية:

( عهدها وارفة الظلال، متينة الجذع، كثيفة الأغصان، فارعة الطول، وهي تقف في منتصف بلدتنا تتوسط القطاطي في حنية صادقة ). ص 63

هكذا تبدأ استيلا قايتانو اقصوصتها، لتحدثنا عن تلك الشجرة عن التي هي مصدق أغلب سكان البلدة ( كانت مجلس للسلاطين وكبار رجال البلدة، وكانت منتدى للشباب والصبيان، يرقصون قربها في الليالي القمرية علىى أنغام الطبول الشجية ). ص 63

وفي ذات الصفحة تواصل استيلا اضافة مزيداً من الأهمية لتلك الشجرة ( كانت مقر التائه، واستراحة المتعب، ومنزل المسافر، اصبحت معلماً بارزاً في قريتنا، ). حتى جاءت تلك الليلة القمرية التي يحتفل بها اهل القرية تحت تلك الشجرة الضخمة وتعد العدة من الرقصات والأغاني الزنجية ( .. الفتيات تجمعن باجسادهن السوداء، تزينها سلاسل مرتبة في الطول والقصر حول أعناقهن وأساور عريضة من العاج تحيط بالمعاصم وخلاخل في الأرجل تصدر أصواتاً رتيبة وتنورة تغطي الجزء الأسفل من الجسد، بدأ الرقص ..). ص 63

لكن الرقص الصاخب لم يستمر كثيراً فقد حدث فجأة شجاراً قوياً بين مجموعة من الشباب، وسط صراخ الفتيات، ( امرهن أحدهم راطناً: " أذهبن إلى بيوتكن " ، هرولن في رعب، كان الصراع بين ثلاثة شباب من القرية المجاورة فتصدى لهم ثلاثة شباب من قريتنا لأن ليس من الشرف والرجولة أن تصارعهم جميعاً .. انتهى الصراع كما ينتهي أي صراع كل يوم، لا يحمل أحد منهم حقداً أو كراهية). ص 63

ولكن الليل جاء بأخبار ليست بالجيدة ( سطع ضوء قوي وسط القرية وأخذت ظلال القطاطي تتراقص في جنون، خرجت القرية في لحظة، وأخذت تنظر في حزن، أشتعلت الشجرة في حريق هائل، شلت حركتهم، كأن اجسادهم هي التي تحترق، وأخذت تلتهم الأوراق في شراهة..). ص 64

واصبحت الشجرة – على حد تعبير استيلا – شبح يريد التهام القرية. حتى جاء ذلك اليوم الذي يحدثنا فيه الراوي انه كان يجلس مع اصدقائه تحت اطلال الشجرة – إن جاز التعبير – يتذكرون الأيام الحلوة التي قضوها تحتها او بقربها و .. ( رفعت رأسي انظر إليها، كأني أريد إعادة الحياة لها، فتخيلت، بل لمحت هناك فرعاً صغيراً أخضراً بين الفروع المتفحة لا يكاد يرى، نهضت من مكاني كأنني أريد الطيران، كأن شيئاً لسعني، فتسلقتها دون أن أرد على اسئلة اصدقائي المقلقة، حتى وصلته، نعم إنها مخضرة، انها حية، الشجرة لم تمت، صرخت بهذه الكلمات دون وعي، والدموع تسيل على خدي، احتضنت الفرع كأني احتضن جزءاً مني واحتضن اصدقائي الجذع كأنهم يحتضنون أمان عادت بعد غياب). ص 64


زهور ذابلة:

هي القصة رقم سبعة بين قصص المجموعة وهي التي اختارتها الكاتبة استيلا قايتانو لتكون عنوان مجموعتها القصصية محور حديثنا. وفي هذه القصة نتعرف على شخص يرتاد المقهى بانتظام، دائماً يأتي بخطوات كئيبة، قلما يبتسم – بتعبير أدق لايبتسم البتة – ( يتجه إلى المقهى في نفس الزمن من كل يوم ويلقي اشلاء جسمه النحيل في نفس المقعد وفي نفس الركن الخالي الكئيب مثل صاحبه ،يجلس هناك مرتكناً يطلب فنجان قهوة، لا يتحدث مع أحد سوى صديقه الذي يأتي ويجلس معه قليلاً ثم ينهض وقد ارتسم على وجهه شئ من الشفقة والحنق). ص 69

وعلى النقيض تماماً كانت هي ( تتحرك مثل فراشة تبحث عن زهرة ) – على حد تعبير استيلا – ولكنها دائماً عندما ( تقترب منه تبطئ في حركتها كأنها تقترب من شئ مقدس ) تلك التي ( تحمل على رأسها " صينية " رصت أكياس الفول فيها بإنتظام، عندما تقترب منه كانت تبطئ من حركتها كأنها تقترب من شيء مقدس، تضع " الصينية " على المنضدة يأخذ منها كيساً ويعطيها بعض العملات ). ص 69

ولكنه في احد الأيام لم يأتي وظل مكانه شاغراً ( كانت تبحث عنه وهي تتحرك مثل فراشة تبحث عن زهرة، استمرت تبحث عنه ثلاثة أيام ). ص 69 .. وتصادف انه رأت صديقه ذات مرة فتبعته دون ان يدري حتى عرفت مكان داره. وفي اليوم التالي زارته، طارقةً بابه عده طرقات ( واقتحمت عالمه المغلق، وبنفس شعور إقترابها من شئ مقدس، سمعت نحنحة، ثم قال بصوت عميق أعمق من حزنه: من هناك؟ قالت بصوتها الطفولي: أنا بائعة الفول، ثم دخلت، رأت الدهشة على وجهه، قالت مرتبك: أسفة على الإزعاج، ولكني أردت زيارتك لا تسألني عن السبب لأني حقيقة لا أدري. قال وقد ظهر الرضا على وجهه: شكراً لك يا إبنتي، تشجعت وقدمت له الزهور، أوما شاكراً ). ص 70

مسحت بائعة الفول الغرفة بعينيها فرأتها كئيبة الشكل غير مرتبة، فتخبرنا استيلا أن بطلة حكايتها قد ( عادت لها غريزتها الفراشية، تحركت تحلق في الغرفة، نظفتها، ورتبتها، فتحت النوافذ متجاهلة لاعتراضاته، ولأول مرة يدخل الهواء ويخرج بحرية، رأت الاستياء على وجهه، سألته: منذ متى لم تفتح هذه النوافذ؟ لم يعطها رداً لأنه لا يعلم منذ متى.) ص70

نعلم - نحن القراء – ان صاحب البيت يعاني من مرض وراثي قاتل وانه مشرف على أيامه الأخيرة في الدنيا اثر حديثه من بائعة الفول والتي أسدت له نصيحة ( بدلاً أن تحصي أيامك في الدنيا من الأجدى أن تفكر كيف تقضي هذه الأيام، لم لا تقضيها في إسعاد نفسك والأخرين، ثم أشارت إلى الزهور اليانعة قائلة: انظر إلى هذه الزهور، كيف هي يانعة تمنحك أجمل ما عندها لتسعد، رغماً إنها ستبذل للأبد بعد ساعات قلائل، لم لا تكون مثلها تترك شذاك لإسعاد الآخرين). ص 70

ويبدو أن هذه الزيارة قد تركت اثرها العميق في نفس صاحب البيت فقد جاء بعد أيام للمقهى. رغم انه لم يعلق على حديث بائعة الفول التي القت بنصيحتها وخرجت وهي لا تعلم إن زيارتها قد أسعدته ام اغضبته. ولكنه على كل حال جاء في اليوم الثاني بخطوات واسعة للمقهى وبابتسامه عريضة حلت وجهه وكأنما عاد الشباب إليه دفعة واحدة مما اثار دهشة رواد المقهى الذي اعتادوا حزنه. كان يبحث عنها بعينيه التي اصبحتا تشعان بالحياه ولكنها ( استقلت سيارة ورحلت، لمحها في الدقائق الأخيرة، لوح لها شاكراً، رحلت ولم تظهر منذ ذاك اليوم... ). ص 70



- أواصل بإذن الله -



نشرت بالحوار المتمدن - العدد (4456 ) - 18 مايو 2014م بالرابط التالي:-

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=415428

Comments