عن .. (أغنية الأرض)

                                                    عن .. (أغنية الأرض)





ماذا عن شروق الشمس ؟
ماذا عن المطر ؟
ماذا عن المكاسب التي قلنا أننا قد جنيناها ؟
ماذا عن الشعور بالقتل هل جاء زمانه ؟
ماذا عن كل الأشياء التي ستنفذ عقلك ؟

بهذه الأسئلة الفلسفية الأسيانة افتتح مغني موسيقي البوب مايكل جاكسون أغنيته المعنونة بأغنية الأرض
(
Earth Song) . وليعذرني أهل العلم للترجمة الحرفية للمقطع الأول من الأغنية.
اأأ
لا يخفى على الكثيرين أن لجاكسون مشروعاً تنويرياً عمل علي نشر مبادئه عبر أغنياته وقد اتضحت ملامحه بصورة جليلة خلال عقد الثمانينات – إن صح زعمي – والشاهد علي ادعائي هذا ، القضايا التي ناقشتها أغنية: (إنهم لا يهتمون بنا) وفي أغنية (أبيض وأسود) وكذلك ( لست وحدك ) علي سبيل المثال ليس إلا .

غير أن أغنية الأرض تجاوزت الدعوة إلي المطالبة بحقوق الأقليات المقهورة، ومساواة الأكثرية المهمشة سياسياً واقتصادياً وثقافياً كما في أغنية (
Heal the World) . واستشعار معني شعار اليونيسيف للسنوات الماضية (قل نعم للأطفال). والعمل علي نشر ثقافة السلام عالمياً (أغنية: ستكون هناك) مثلاً. وهي ذات الدعوة التي يشاطر فيها الفنان صاحب أغنية الأرض، عدداً من الفنانين – ربما علي رأس القائمة وبشيء من التحيز أجدني أضع – مغني موسيقي الريقي الجمايكي بوب مارلي. ولأن المقال مخصص لأغنية الأرض فسأترك الحديث عن مشروع مايكل جاكسون ، وكلي أمل في أن أعود إليه بشيء من الاسهاب.

أغنية الأرض حملت نفس الشعارات السابقة ، لكن الجديد في الأمر أنها اتجهت مباشرة نحو البيئة بمفهومها الضيق، أعني بالمفهوم الذي يتبادر للأذهان فور سماع كلمة بيئة وارتباطها بالطبيعة، حيث تقول الأغنية في إحدى ( كوبليهاتها):

ماذا فعلنا بالعالم ؟
أنظر .. ماذا فعلنا؟

ولا داعي لذكر ما فعلنا بهذا العالم.. فالسيرة أسيانة !! ولكن لنترك (فيديو كليب) الأغنية يحكي لنا، حيث أن كاميرا المخرج تشركنا في مشاهدة طبيعة خلابة في إحدى الأدغال ثم نتنقل مع الكاميرا ومايكل جاكسون لنصغي لحداه وعيوننا على أشجاراً عملاقة تهاوت بفعل منشار يدوي قزم وأرومة تضج بالطيور المغردة حاكت في المشهد التالي أشجار عائلة الأكاشيات (السنط والهشاب والطلح و..و..الخ الخ) أيام الجفاف. وغابة حفلت بكل وحوش البرية أضحت – بفضل تلك الكارثة التي تسمي الإنسان- صحاري كلهاري بعينها!!!. وكيف أن السماء التي تتميز بهواء نقي امتلأت رئتها بأدخنة المصانع وعوادم السيارات..

ولأن ( على نفسها جنت براقش) يجعلنا (فيديو كليب) الأغنية شهود عيان علي أقوام من سكان العالم القديم ( افريقيا، آسيا وأوروبا ) وربما من الجزء الجنوبي لقارة أميركا، شردتهم الحروب فيتهالكون على ارضهم، وملء قبضاتهم، ثرى أرض بور ورمال صفراء، تتداخل مع زوابع رعدية وأعاصير تقتلع كل شيء حتي البشر لولا تشبث كل تلك الأجناس المختلفة - التي ضمها هذا ( الفيديو كليب) - بالأرض عبر سيقان اشجار عارية إلا من بعض الأغصان اليابسة ... فتأمل!!! .

استفزتني تلك الأغنية كثيراً فتلفت حولي كالعادة علني أجد شيئاً مشابهاً .. ولكني أسفت كثيراً حينما وجدت أن الأمر ليس كما تمنيت ، وتمدد بداخلي سؤال حائر بحجم وطني ، لماذا لم يتطرق مطربونا لهذا المجال؟

إن لمطربينا قاعدة جماهيرية عريضة ولكل مطرب علي حده جمهوره الذي يحتفي بكل روائعه ، فإن اتجه مطربونا: روادهم وأجيالهم الجديدة ، بنذر يسير من ابداعهم عبر أغنيات تهدف لحماية البيئة والدعوة للمحافظة عليها والتوعية بالانتهاكات الواقعة عليها والمساهمة بإثراء تنوعها الحيوي لكانت الحصيلة مدهشة .

Make a better place
For You And Me

وحتى نوجد ذلك المكان الأفضل لي ولك .. علي حد تعبير هذه الجزئية من الأغنية المسماة (
Heal the Word) هلاّ التفتنا إلي (الآخر) قليلاً ونظرنا إليه بتجرد كإنسان في المقام الأول، بعيداً عن عقلية الإقصاء والرفض أو نظرية المؤامرة. أو الاعتقاد بأنه ليس سوى قرين سوءٍ لا يأتي إلا بالشر وقبيح الفعال. فهذا (الآخر) قد يصلح في أحايين كثيرة أن يكون قدوة تحتذى. ولعل ما جاء به مايكل جاكسون - باعتباره أحد هؤلاء ( الآخر) - في ( أغنية الأرض) بل في مشروعه الفنى بشيء من التعميم – قبل أن ينتقل إلى الدار الآخرة – خير مثال


مزمل الباقر
الخرطوم - يونيو 2002م



Comments