التطرف الديني .. ( النسخة السودانية)
التطرف الديني .. ( النسخة السودانية )*
يرى علماء العقيدة ان المعنى الإصطلاحي لكلمة التدين هو
حظ العبد من العبادة، بمعنى أن المسلم الذي يصلي النوافل اكثر تديناً من المسلم
الذي يصلي الصلوات الخمس فقط، ويكون المسلم الذي يصلي النوافل ويقيم الليل اكثر
تديناً من المسلم الذي يكتفي بالنوافل المتفق عليها وعلى ذلك قس في سائر العبادات.
نلاحظ من التعريف السابق ان التدين هو ارتقاء في سلم
العبادات بين الخالق والمخلوق وهو علاقة مباشرة بين الله سبحانه وتعالى وعباده الذين
انعم عليهم بصفة التدين. ولكن هذه العلاقة تنسحب بالضرورة على شكل التعامل بين
الشخص او الاشخاص المتدينيين ومجتمعهم متعدد الديانات، حيث من المفترض ان يلقي
التدين بظلاله على شكل التعامل في المجتمع ذي التعدد الديني، بحيث يكون فيه المتدين
أكثر تسامحاً وأقدر على التعايش مع بقية الطوائف الإسلامية ومع الديانات الأخرى.
فما هو حال المتدينين؟
بشيء من التخصيص يلقي هذا المقال بعضاً من الضوء على المجتمع
السوداني بوصفه أحد المجتمعات التي تعدد فيها الديانات. فبالاضافة للطوائف والملل
الإسلامية هنالك الديانة المسيحية بطوائفها والديانة اليهودية ولا ننسى ان هنالك
في المجتمع السوداني من لا يدينون بأي ديانة سماوية وهم الوثنيين وهؤلاء يتركزون
في جنوب السودان في الغالب الأعم وبعضاً من مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة.
يفترض المقال ان الإسلام هو الديانة الغالبة في السودان
تأتي بعدها الديانة المسيحية ثم الوثنيين وأخيراً الاسر اليهودية وهؤلاء يتواجدون
في السودان بنسب قليلة. كما ان تلك الأسرة - بصورة او بأخرى – غير معروفة للجميع، وفيهم
من تحول من ديانته إلى المسيحية أو إلى الإسلام وفيهم من ظل على ديانته اليهودية وإن
اظهر غير ذلك.
وبهذه الفرضية يتجه المقال بالحديث عن ظاهرة التطرف
الديني وسط المسلمين السودانيين ويذكر بعض النماذج التي لا تزال عالقة بالاذهان رغم
مرور سنوات كثيرة على حدوثها. ولكن قبل ان نمضي في ذكر حيثيات هذه الظاهرة لابد من
العودة إلى تاريخ السودان القديم والكيفية التي دخلت بها المسيحية ثم الاسلام على
ذلك المجتمع الفرعوني.
تشير الروايات التاريخية أن مملكة كوش النوبية هي اقدم
الممالك السودانية وكانت لها لغة خاصة هي اللغة الكوشية التي يتحدثها الكوشيين الذين
شيدوا الإهرامات على أرضهم وكانت لهم تجارة رائجة وصناعة مزدهرة وحضارة عظيمة
يعبدون آمون رع ولهم إله محلي يسمى آبادماك . ولكن هذا الحضارة زالت واندثرت بانتشار
الأوبئة الناتجة عن تلوث البيئة التي أهلكت كل أو معظم الكوشيين. وتلوث البيئة نتج
عن الأبخرة التي تنتج عن تعدين الحديد وصناعته وقد اشتهرت كوش النوبية في العالم
القديم بهذه الصناعة.
قامت على انقاض الارث الكوشي مملكة سودانية أخرى هي مملكة
مروي في الفترة من القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي. واتخذت مدينة
مروي عاصمة لها طوال تلك الفترة وقامت حضارة تضاهي في عظمتها حضارة كوش النوبية وكانت
لهم لغتهم الخاصة هي اللغة المروية واشتهروا في العالم القديم بصناعة الفخار.
المسيحية في السودان
تختلف الروايات في الأسباب التي ادت إلى انتشار الديانة
المسيحية في السودان وان اتفقت علي ان الفترة الزمنية وهي القرن السادس الميلادي على
يد الإمبراطور الروماني جاستنين وزوجته الامبراطورة ثيودورا. ويشير موقع ويكبيديا
إلى قيام ممالك مسيحية كثيرة على انقاض مملكة مروي النوبية ليعتنق اهل هذه البلاد –
التي ستعرف لاحقاً بالسودان - ديانة سماوية بديلاً لعبادة الآلهة الفرعونية. وترتب
على ذلك – كما اشرنا سابقاً - ظهور ممالك مسيحية ( بلغ عددها في القرن السادس
الميلادي حوالي 60 مملكة، أبرزها مملكة نبتة (Nobatia باللغات اللاتينية) في الشمال
وعاصمتها فرس، ومملكة المغرة (Makuria) في الوسط وعاصمتها دنقلا العجوز
على بعد 13 ميل جنوب مدينة دنقلا الحالية، ومملكة علوة (Alodia) في الجنوب وعاصمتها سوبا (إحدى
الضواحي الجنوبية للخرطوم الحالية) وحكمت الممالك الثلاث مجموعة من المحاربين
الأرستقراطيين الذين برزوا كورثة لحضارة النوبة بألقاب إغريقية على غرار البلاط البيزنطي. دخلت المسيحية السودان في عهد الأمبراطور الروماني جستينيان الأول وزوجته ثيودورا، وأعتنقت مملكة المغرة المذهب الملكاني في حين اتبعت
نبتة وعلوة المذهب اليعقوبي الذي تدعمه الأمبراطورة
ثيودورا.) (ويكبيديا / السودان)
ونجد معلومة مشابهة إلى حد ما بموقع : تاريخ الاقباط ، يشير الاستاذ صحبي
اسكندر في مقال له بعنوان: ( بداية انتشار المسيحية في النوبة والسودان) برواية
تحتاج لبعض التحقيق دارت احداثها في القرن السادس الميلادي حيث كانت الملكة النوبية (الكنداكة): شناكداختي
تحكم السودان. يقول اسكندر: (أن أول سودانى يهتدى إلى المسيحية كان وزيراً لخزانة
الملكة شناكداختى الكنداكة التى حكمت مروى من سنة 23 -35 م وقد وردت قصة ذلك
الوزير فى سفر أعمال الرسل (8: 26 - 39 ) كالتالى :
" ثُمَّ إِنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ كَلَّمَ فِيلُبُّسَ
قِائِلاً:«قُمْ وَاذْهَبْ نَحْوَ الْجَنُوبِ، عَلَى الطَّرِيقِ الْمُنْحَدِرَةِ
مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى غَزَّةَ الَّتِي هِيَ بَرِّيَّةٌ».27 )
دخول الإسلام
ويحدثنا
التاريخ ان المسيحية اضحت الديانة الرسمية للسودان منذ القرن السادس الميلادي
واستمرت حوالي القرن الميلادي حتى ( دخل الإسلام إلى السودان في عهد
الخليفة عثمان بن عفان، ووالي مصر عمرو بن العاص، كما تدل
الوثائق القديمة ومن بينها اتفاقية البقط التي ابرمها
المسلمون بقيادة عبد الله بن أبي السرح والي الصعيد مع النوبة في سنة 31 هجرية لتأمين
التجارة بين مصر والسودان، وقيل قبل ذلك لأن
الاتفاقية تضمنت الاعتناء بمسجد دنقلا، ومن المشهود أن جماعات عربية كثيرة هاجرت إلى السودان واستقرت في
مناطق البداوة في أواسط السودان وغربه ونشرت معها الثقافة
العربية الإسلامية.وإزدادت الهجرات العربية إبّان الفتوحات الإسلامية، كما تدل الآثار
ومن بينها شواهد قبور تعود إلى أحقاب قديمة عُثر عليها في منطقة إريتريا الحالية وشرق السودان،
بالإضافة إلى كتب قدماء المؤرخين العرب أمثال ابن خلدون واليعقوبي وغيرهم. وجاء إلى
السودان العلماء المسلمين في مرحلة أزدهار الفكر
الصوفي فدخلت البلاد طرق صوفية سنية مهمة تجاوز نفوذها السودان
ليمتد إلى ما جاوره من أقطار.) (ويكبيديا / السودان)
شيئاً
فشيئاً قامت ممالك اسلامية مثلما كانت هنالك ممالك مسيحية في السابق (بعد إضمحلال
الممالك المسيحية وتراجع نفوذها السياسي أمام الهجرات العربية والمدّ الإسلامي
قامت ممالك وسلطنات إسلامية العقيدة عربية الثقافة مثل السلطنة الزرقاء أو مملكة
الفونج (1505-1820)م، في الشرق الجنوبي والوسط وعاصمتها سنار، ومن أشهر ملوكها عبد
الله جَمّاع وبادي أبو شلوخ، وسلطنة الفور في الغرب
الأقصى(1637-1875) م، واستقر حكمها في الفاشر، ومن سلاطينها المشهورين السلطان
تيراب والسلطان علي دينار، ومملكة تقلي في
جبال النوبة (حوالي 1570-إلى أواخر القرن التاسع عشر) م تقريباً، إضافة إلى ممالك
أخرى مثل مملكة المسبعات في الغرب الأوسط ومن أعيانها المقدوم مسلم، ومملكة الداجو
ومقر حكمها كلوا في الغرب الأقصى ومملكة البجا وعاصمتها هجر في الشرق.) (
ويكبيديا: مصدر سابق)
ثم ماذا بعد
ذكرت هذه المقدمة التاريخية الطويلة كي استدل بالتاريخ
على فرضية اراها صحيحة وهي ان تحول المجتمع السوداني القديم من الوثنية إلى
المسيحية ثم إلى الاسلام لم يكن تحولاً عنيفاً، من الطبيعي ان تحدث مقاومة عند
ظهور دين جديد وهكذا قاوم المرويون ودافعوا عن عاصمتهم مروي حتى لا يدخلها الدين
الجديد وبالمثل قاوم أهل الممالك المسيحية انتشار الاسلام في عواصهم: (فرس، دنقلا
العجوز وسوبا). لكن بعد ان سادت الديانة لم تحدث احداث عنف من قبل معتنقي الديانات
الاخرى اي لم يحاولوا ان ينالوا من اهل الديانة الجديدة. كما لم تنقسم الديانة
المسيحية لطوائف تكفر الطوائف الأخرى.
واستمرت
هذه النظرة الرومانسية للمجتمع – إن جاز التعبير – بعد الاستقلال السياسي للسودان
حيث ان الجاليات الإغريقية والقبطية والهندية والأرمنية لم تغادر البلاد وفضلت ان
تظل بالسودان بعد رحيل المستعمر واختلطت اسر تلكم الجاليات في المجتمع السوداني
وإن لم تصل حد الانصهار. بل ان الأسر السودانية المسلمة لم تجد حرجاً في ان تلحق
ابناءها وبناتها بمدارس هذه الجاليات كمدرسة كمبوني والمدرسة التوفيقة القبطية
وفيلا جلدا وغيرها. وبالمثل بعض ابناء وبنات تلك الجاليات يدرسون خارج مدارس
الجالية. وسارت الصحة في ركب التعليم كذلك
إن افترضت
ان الغناء يعكس الاتجاهات الفكرية للمجتمع فإن اغنيات المدرسة الامدرمانية او ما
تعارف عليه بغناء الحقيبة قد حوى كثير من القصائد التي تتغزل في بنات تلك الجاليات
ولعل من اشهرها رائعة الشاعر ابراهيم العبادي
شلخو
الحسام وخالو
ودين
الصليب بي خالو
بي
روحي لو اشخالو
سيد
عين حياتي أخالو
وبالمقابل لم يتحرج السودانيون من تسمية مدن بأحد
ساكينيها من الديانات الأخرى وتظل التسمية حتى يومنا هذا قرابة القرن من الزمان.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان مدينة كوستي سميت على الخواجة كوستا وهو إغريقي
عاش بها. وهناك بأمدرمان فريق ( اي حي صغير) يسمى (فريق ريد) على المفتش ريد وهو
مفتش انجليزي عاش بالسودان إبان الحكم الثنائي ( البريطاني – المصري) وكان يسكن
بالمنطقة التي شرق دار الرياضة بامدرمان و..و.. الخ الخ وبالمدينة الثالثة التي
تشكل العاصمة القومية واعني مدينة الخرطوم بحري نجد حي كوبر العريق وسمي كذلك على
مستر كوبر.
لعلني
اذكر بعض الامثلة التي عايشتها بنفسي في احياء امدرمانية كحي العرب وحي المسالمة،
جاري بالحي من الاسرة القبطية العريقة. اراه دائماً يأتي ليعزينا ونحن ندفن بعض
ذوينا في مقابر السيد البكري ويعايد عليّ وعلى من يقابل من أهلي في اعيادنا الاسلامية
حيث اخرها كان عيد الاضحى المبارك قبل اشهر منصرمة حيث بارك لي العيد بنفس الصيغة
التي نبارك بها نحن المسلمين على ابناء دياتنا.
ذات مساء
كنت في طريقي لسوق امدرمان حينما صافحت لأول مرة (عم ميلاد) – الذي يملك حانوتاً
بحي المسالمة – وذلك حينما وجدت في معيته الأديب نبيل غالي، وكان الاخير يرأس
تحرير جريدة الصباحية حينما نشر لي أول قصة قصيرة فلما رأيته جالساً امام الدكان
ذهبت إليه وحييته وعرفته بنفسي وشكرته على نشر القصة وسلمت على صاحب الدكان (عم ميلاد
) بتحية المساء فرد علي باسماً: وعليكم السلام والرحمه. اعتقدت انه حياني بتحية
الاسلام نظراً لديانتي ولكني رأيته يرد بتحية الاسلام في جميع الأوقات وعلى كل
المارة سواء كان من طائفته القبطية او كانوا مسلمين.
ومن اشكال
هذا الانصهار أن من اشهر الرأسمالية الوطنية كان من الطائفة القبطية هو أنيس حجار
وأن حي كافوري بمدينة الخرطوم بحري أخذ التسمية من عزيز كافوري الذي كان يملك
أراضي ومزارع بحي ( حلة كوكو ) وما جاورها من مناطق. وتشير عدد من الروايات أن
اعرق وأشهر فريقيين كرويين ( المريخ والهلال) تعود فكرة انشائهما لبيت لأحد اقباط
حي المسالمة. كذلك ظلت كنيسة الحبش بشارع (15) بحي العمارات وكنائس ماري جرجس حتى
الآن موجودة بشكلها الذي انشئت به في المدن الثلاث(الخرطوم، امدرمان والخرطوم
بحري) ولو خرجنا من العاصمة إلى مدن الأقاليم لرأينا كنائس قديمة محافظة على
طابعها المعماري بعناية تحسد عليها.
تسعينيات الشر
ولكن ما حدث في تاريخ السودان الحديث كان مغايراً تماماً
لتلك الصورة المثالية، حيث شهدت تسعينيات القرن المنصرم احداثاً لم تخطر بأحلام
الشعب السوداني المتسامح دينياً، حيث ان انتشار الاسلام عبر الطرق الصوفية اضفى
على سلوكيات المجتمع السوداني شيئاً من البساطة والتسامح والتعايش مع المذاهب
الاسلامية وبالمثل مع الديانة المسيحية ولولا ارتباط الوجدان السوداني بالقضية
الفلسطينية لتسامح السودانيون مع الأسر اليهودية ايضاً ولكن الاخيرة لجأت _ كما
اشترت في صدر المقال - إلى تغيير ديانتها او اخفائها.
ارهاصات حقبة التسعينيات بدأت كفتق صغير واتسع، وذلك عبر
المنابر والندوات في شكل خطابات بدت حادة ثم تحولت إلى عنيفة اللهجة من الجماعات
السلفية التي تستهجن بعض الممارسات التي تحسب علي التيار الصوفي في السودان مثل
الاستنجاد بقبور من يعتقدون في ولايتهم والطقوس التي تمارس في حلقات الذكر خصوصاً
في الاحتفالية بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ونادراً ما تطرقت الجماعات
السلفية بالحديث إلى معتقدي المذهب الشيعي وذلك لأن تأثيرهم في المجتمع السوداني
لا يكاد يذكر ثم انتقلت الجماعات السلفية إلى الانقسام فشرعت في مهاجمة فصائلها
وجماعاتها بجانب مهاجمتها للفكر الصوفي. ثم دخلت جماعات الإسلام السياسي في هذا
الخضم فانضمت لمهاجمة الصوفية جماعة الاخوان المسلمين – منذ تسميتها الأولى جبهة
الميثاق الاسلامي وحتى انتقالها لمسمى: الجبهة القومية الاسلامية وكذلك في بدايات
تسميتها بالمؤتمر الوطني قبل ان تتصالح مع الجماعات الصوفية لاغراض سياسية –
هذه الندوات والمناظرات وخطب الجمعة وخطب المناسبات
الدينية الاخرى لم تخلو من عبارات تشيء بتكفير الفكر الصوفي وإن لم تصرح بتكفير
معتقديه. ولكن وجود العنصر الشبابي في اتباع المنهج السلفي وبالمقابل ظهور بعض (
الحيران) أو الحواريين لعدد من شيوخ الطرق الصوفية تميزوا بالتعصب والتزمت الفكري
على غير ما يقوم عليه الفكر المتصوف من التسامح. كان لأولئك الشباب من ابناء
المنهجين دور في زيادة حدة الخطابات التي بلورت المعارك الخطابية إلى معارك
بالأيدي أحياناً.
هنالك عامل آخر لا يمكن اغفاله وهو ان انفتاح السودان في
عهد حكومة الانقاذ الوطني على الجماعات الإسلامية المتطرفة وإيوائه لشخصيات رهن
الاعتقال مثل اسامه بن لادن وغيره ممن تعارف على تسميته بالأفغان العرب وعدد لا
يستهان به من مفكري الاخوان المسلمين وكوادر ما يسمى بالإسلام السياسي من مختلف
الاقطار ادخل مفاهيم جديدة في نسيج الفكر السلفي وحقن دماء اتباعه بجرعات كبيرة من
التطرف الفكري والتطرف الديني وخرجت علينا احزاب سياسية ذات خلفيات دينية تتحدث عن
الخلافة الاسلامية وعن المجتمع الجاهلي ، الذي لا يقصدون به قطعاً المجتمع الذي
عاش في القرن السابع الميلادي وإنما الذي عاش في القرن العشرين ويدين بدين
الاسلام!.
وكنتيجة حتمية كانت محصلة هذا التلاقح الفكري بين هؤلاء
الوافدين على السودان ومعتنقي الفكر السلفي او المنهج السلفي بالسودان، اشكالاً جديدةً
للتعبير عن رفضها لما يحدث بالمجتمع.و انتهجوا أسلوباً آخراً لمواجهة التيار
السلفي هو اسلوب جديد على المجتمع السوداني. فشهدت حقبة تسعينيات القرن الماضي
وحتى العقد الأول من القرن الحالي مشاهد لم ترد بخلد الشعب السوداني المتسامح
عقائدياً.
يرى مركز الجزيرة للدراسات في مقال له نشر هذا العام (2012م)،على
موقع قناة الجزيرة الاخبارية أن المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي ( الذي تأسس في الخرطوم، انضم إليها كثير من قادة الحركات الإسلامية المغضوب عليهم في بلادهم، مثل
مجموعات الجهاد الليبي والمصري والإخوان المسلمين الخارجين عن سلطة التنظيم
العالمي للإخوان، مثل قادة التنظيم السوري والتونسي. وقد كان التطرف الديني في
السودان والذي يقوم على أساس تكفير الحكام والمجتمع محدودًا ومحصورًا في مناطق
معينة مثل منطقة (أبو قوتة) في ولاية الجزيرة، على بعد 400 كيلو متر من الخرطوم؛
ومنطقة (الفاو) بشرق السودان، على بعد 500 كيلو متر من الخرطوم؛ وجيوب صغيرة في كل
من الدمازين الواقعة على بعد 600 كيلو متر جنوب شرق الخرطوم، ومنطقة كوستي التي
تبعد 400 كيلو متر غربًا، بالإضافة إلى تواجدهم بأعداد قليلة في الخرطوم. وكانوا
يُسمَّون بالعزلة نسبة لاعتزالهم المجتمع وهجره دون مخالطته، باعتباره مجتمعًا
كافرًا ومشركًا يتحاكم إلى الطاغوت والقوانين الوضعية) ( السلفية في السودان/ مركز
الجزيرة للدراسات 2012م).
(وتزامن مع دخول الأفغان العرب إلى
السودان، دخول الشيخ السوداني محمد عبد الكريم مرحَّلاً من السعودية عام 1993، حيث
كان إمامًا وخطيبًا لمسجد الكوثر بجدة. وما أن استقر محمد عبد الكريم
بالسودان حتى خلق تجمعًا كبيرًا من الشباب أطلقوا على كيانهم (الجبهة الإسلامية
المسلحة) التي حاولت تنفيذ العديد من العمليات العسكرية) ( المقال/المصدر)
(وفي نفس العام 1993، جاء إلى السودان
مرحَّلاً من أبي ظبي الشيخ عبد الحي يوسف الذي كان إمامًا وخطيبًا لمسجد محمد بن
زايد بأبي ظبي. ولحق بهؤلاء مؤخرًا الشيخ مدثر أحمد إسماعيل. وقد كان جميع هؤلاء
قد درسوا في الجامعات السعودية وتخرجوا وعملوا بها قبل ترحيلهم إلى السودان. وحتى
هذا الوقت، لم يكن للسلفية الجهادية كيان أو تنظيم موحد يجمعهم وإنما كانوا يلتقون
في المبادئ والأهداف والوسائل. وبازدياد وتيرة وسخونة الخطب التي يلقيها الشيوخ
العائدون من دول الخليج، وبتوفر المهارات والقدرات العسكرية التي وفرها الأفغان
العرب الذين وفدوا إلى السودان، أصبح نشاط التيار السلفي التكفيري في تصاعد.) ( المقال/
المصدر)
في اعتقادي أن العام 1993م يمثل بداية النهاية لمجتمع
عرف بالتسامح ليلحق السودان بقاطرة العنف الديني _ إن جاز التعبير – والبداية
الفعلية للفتنة الطائفية والدينية التي يعلم الله سبحانه وتعالى وحده متى تنتهي.
ويتفق معي الكثيرون على أن عبد الله الخليفي هو رائد مدرسة اقصاء الآخر الذي تختلف
معه فكرياً أو عقائدياً أو - ربما في نطاق
ضيق – تنظيمياً. وهذا الاقصاء ليس بالارهاب الفكري او النفي خارج البلاد أو سحب
الجنسية، هذا الاقصاء يتم بالتصفية الجسدية فقط ولا يلجأ إلى وسيلة أخرى غيرها.
ولعل فعلته التي فعلها رغم ما يقارب العقدين على حدوثها إلا انها كانت الأعمق
أثراً من خلال عشر نماذج سأذكرها تباعا على حسب التسلسل الزمني.
الهجرة إلى كمبو (10)
كلمة ( كمبو) هي سودنة لكلمة Camp الانجليزية والتي تعني المخيم.
ولكن الكلمة انتقلت من معناها الاصلي لتطلق على كل قرية انشاتها جماعات قادمة من
غرب السودان ومناطق النيل الأزرق للعمل بمشروع الجزيرة الزراعي في أواسط السودان.
وعاش أهل تلك القرى - في الغالب -
كمجتمعات مقفولة تتزاوج في داخلها ولكن تتمتع بعلاقات واسعة مع القرى
الكبيرة أو المدن التي تتاخمها لاشتغال بعض ابناء تلك الجماعات بالتجارة والعمل
بالمصانع.
تلك الحادثة التي جرت احداثها بكمبو (10) في اواخر العام
1993م ربما تكون ارهاصات تطرف ديني عبر عن نفسه بعنف داخل المجتمع السوداني. وقد
اشار إليها موقع قناة الجزيرة الإخبارية بالشبكة العنكوبتية، ضمن فقرات مقال بعنوان:
(السلفية في السودان).
يرى مركز الجزيرة للدراسات أن أول الحكاية كانت (( في ولاية الجزيرة بمنطقة
تسمي (كمبو 10) في نهاية العام 1993، وذلك عندما قام مجموعة من الشباب التابعين
للشيخ محمد عبد الكريم والذين كانوا يعتقدون بتكفير الحكام، وتكفير التحاكم إلى
الطاغوت، وتكفير استخراج الأوراق الثبوتية كالجواز والجنسية والبطاقة الشخصية
واستخدام العملة الورقية، بالسير على الأقدام إلى (كمبو10) بولاية الجزيرة والتي
تبعد 400 كيلو متر من الخرطوم، وذلك من أجل هجر الكفر والشرك. وعند وصولهم للكمبو، قام أحد الأهالي بالتبليغ عنهم؛
فجاءت قوة من الشرطة وطلبت منهم الاستسلام غير أنهم، وباعتقادهم أن طاعة الشرطة
كفر، وقع الاشتباك بينهم، الأمر الذي أدى لمقتل أمير الجماعة وعدد من أتباعه إلى
جانب أفراد من الشرطة السودانية)) (المقال/ المصدر).
غزوة الخليفي
اختلفت الروايات في الاسم الأول للخليفي فمنهم من سماه
محمداً ومنه من سماه عبد الله، وبذات القدر اختلفوا في جنسيته فمنهم من نسبه لأهل
اليمن، في حين رأى آخرون انه ليبي الجنسية. غير ان كثير من الروايات اتفقت على انه
جاء في معيه اسامة بن لادن للسودان غير انه اختلف مع الأخير وانسلخ عن جماعته (
تنظيم القاعدة ). وسعى الخليفي بعد انسلاخه إلى هدر دم اسامة بن لادن وتفوه
بتصريحات التكفير في مجالس خاصة سرية.
جرت احداث غزوة الخليفي بعد أشهر من حادثة كمبو (10)
وتحديداً في شهر فبراير من العام 1994م عندما استقل الخليفي ومعه عدد من
السودانيين - الذين يعتنقون فكره - عربة نقل وقت صلاة الجمعة، وتوجهوا قاصدين مسجد
الرجل الثاني في جماعة انصار السنة المحمدية وهو الشيخ أبو زيد محمد حمزة بغية
تصفيته جسدياً وتصفية أكبر عدد من اتباعه.
من حسن حظ الشيخ ابو زيد انه لم يكن موجوداً بالمسجد حينها،
غير أن هذا الحظ لم ينسحب بالضرورة على بقية المصلين. وكان الخليفي سخياً في افراغ
رصاص كلاشنكوفه، وحذا من معه حذوه فجادت أكفهم بسيل من الرصاص الحي ليسقط العشرات
بين قتيل وجريح. وعلى حسب تقرير الشرطة فإن عدد القتلى بلغ (20) قتيلاً وفيما
ارتفع عدد الجرحى إلى (33) جريحاً وتشير بعض الاحصائيات إلى ان عدد القتلى وصل إلى
(23) وبأن الجرحى بين (40) و(50) جريحاً.
ولم تنتهى الغزوة عند مسجد الشيخ ابو زيد بالحارة الأولى
بمدينة الثورة فحسب، بل إن القتلى شدوا رحالهم من امدرمان قاصدين الخرطوم حيث توقف
ركبهم بحي الرياض امام منزل اسامه بن لادن بغية تصفيته جسدياً لكن حرس المنزل
اعترضوهم ودارت بينهم معركة استمرت قرابة ست ساعات لترجح الشرطة كفة الحرس بعد ان
انضموا إليهم ولتنتهي المعركة بأسر جماعة الخليفي وتتم محاكمتهم فيما بعد وينفذ
فيهم حكم الاعدام شنقاً.
تدريب سريع على القتل
يعيدنا التاريخ مرة أخرى لولاية الجزيرة وهذه المرة
لحاضرة الولاية مدينة (واد مدني) التاريخية أو إن شئت ( ود مدني ) ويمكنك ان تقول ( مدني ) على سبيل
التخفيف. ولنعود مجدداً لمقال (السلفية في السودان) حيث يروى مركز الجزيرة للدراسات
حادثة صغيرة مقارنة بما سيحدث مستقبلاً حيث أنه ((في العام 1997 وبعد مشادات
كلامية، وقع اشتباك بين جماعة من التكفيريين وجماعة من أنصار السنة بأحد مساجد
جماعة أنصار السنة بواد مدني عاصمة ولاية الجزيرة، الواقعة على بعد 198 كليو مترًا
جنوب الخرطوم، حيث قُتل في الاشتباك ثلاثة من جماعة أنصار السنة وجُرح آخرون)).
على نهج الخليفي
الحادثة الرابعة – حسب التسلسل الزمني – جرت احداثها
بمدينة الخرطوم، حيث هاجمت جماعة تنتسب لجماعة (التكفير والهجرة) مزودة بالسلاح
الابيض، مصلين بجامع بحي ( مايو 40) لكن الأمر انتهى بهم مقيدين بأغلال الشرطة
وكان ذلك في العام 1998م.
المذبحة العباسية
عباس الباقر سلفي المذهب ولكنه اختلف مع الشيخ أبو زيد
محمد حمزة نائب الجماعة السلفية التي ترأسها شيخ/ الهدية، هذه هي الرواية الرائجة
وبعض الروايات رأت انه ينتمي لجماعة التكفير والهجرة التي تعود تاريخياً لجماعة
الاخوان المسلمين إلى الذين استقر بهم المقام (في السجون المصرية وخاصة بعد اعتقالات
سنة 1965م التي أعدم على إثرها سيد قطب وإخوانه بأمر من جمال عبد الناصر حاكم مصر آنذاك. ولقد رأى المتدينون
المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب ما تقشعر من ذكره الأبدان وسقط الكثير منهم
أمامهم شهداء بسبب التعذيب دون أن يعبأ بهم أحد في هذا الجو الرهيب ولد الغلو
ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها) ( التكفير والهجرة / ويكبيديا).
اصطحب عباس الباقر ثلاثة اشخاص معه وفي معيتهم أربعة
بنادق كلاشنكوف وتهجموا على المصلين بجامع أبوبكر الصديق بحي (الجرافة) بمدينة
امدرمان اثناء تأديتهم لصلاة التراويح، وعلى حسب التقويم الميلادي فإن الحادثة
كانت في شهر ديسمبر لسنة 2000م. وأسفرت عن مقتل عشرين شخصاُ وحوالي خمسين جريحاً.
جدير بالذكر أن جامع ابوبكر الصديق هو أحد مساجد جامعة انصار السنة المحمدية. هذا
وقد لقي عباس الباقر ومن معه مصرهم على ايدي قوات الشرطة في تبادل لإطلاق النار.
ولا ننسى .. فتاوى التكفير
يعود بنا
مركز الجزيرة للدراسات للعام 2006م مواصلاً الرواية وينقلنا إلى فتاوى التكفير
التي رمت بها هذه الجماعات معارضيها. فقد ( أفتوا بكفر الشيعة واعتبروهم ليسوا
خارجين من ملة الإسلام وإنما لم يدخلوه أساسًا، ودعوا لوضعهم في حفرة وعدم لمسهم
باليد لنجاستهم والمطالبة بإغلاق السفارة الإيرانية في الخرطوم، كما قاموا بحرق
كتب الشيعة التي كانت معروضة في أحد أجنحة معرض الكتاب في الخرطوم عام 2006وفي
أوائل العام 2007، أهدروا دم الأستاذة البريطانية جوليان جييوتر والتي كانت تعمل
في إحدى المدارس السودانية لاتهامها بالإساءة إلى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم،
كما جددوا في العام نفسه تكفير الترابي على خلفية إفتائه بجواز إمامة المرأة
للرجال في الصلاة وجواز اعتلائها لمنبر صلاة الجمعة. ولحق التكفير أيضًا السيد الصادق
المهدي رئيس حزب الأمة السوداني المعارض وإمام طائفة الأنصار الدينية، وطولب
بالاستتابة لأنه أجاز مساواة المرأة بالرجل في الميراث) ( السلفية في السودان/
مصدر سابق).
غرانفيل .. قتيل آخر العام
هذا وتناولت صحف الخرطوم بالحديث موضوع هدر دم الاستاذة
البريطانية جوليان جييوتر التي تدرس بمدرسة يونتي بالخرطوم. ولكن لنترك بداية
العام 2007م ونمضي في رحلة تبادل الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار لنصل لمنتصف
العام 2007م فبالرغم من اكتشاف الأجهزة الشرطية لعدد من الخلايا التي تستخدم بعض
المنازل المتهالكة كمخابيء لتخزين المتفجرات والأسلحة لحين استخدامها - حيث اكتشفت
ثلاثة أماكن بيتين في الخرطوم أحدهما في
حي السلمة والآخر بحي سوبا بينما كان البيت الثالث يقبع بحي الحتانة بأمدرمان - .
إلا ان كل هذه الجهود الشرطية لم يمنع ذلك من حدوث الجريمة السادسة حسب التسلسل
التاريخي.
حيث قام عبد الرؤوف وهو نجل الشيخ أبو زيد محمد حمزة –
الرجل الثاني بجماعة انصار السنة المحمدية وخليفة الشيخ الهدية – قام عبد الرؤوف
وثلاثة آخرين بالتسكع بسيارة في طرقات الخرطوم حاملين اسلحتهم بحثاً عن كبش فداء
ينحرونه ليلة رأس السنة. وكان لهم ما أرادوا حيث تصادف وجود السفير الأميركي (جون
مايكل غرانفيل) وسائقه (عبد الرحمن عباس رحمه) في طريق هؤلاء الخمسة فأفرغوا فيهما
رصاص الكلاشنكوفات وهربوا قبل أن تلقي الشرطة القبض عليهم.
جماعة عبد الكريم .. الهجمة الثانية
مرة أخرى
يطفو اسم محمد عبد الكريم لسطح الأحداث، ففي العام 2009م شهد حي الجريف الخرطومي
افتتاح دار الحزب الشيوعي السوداني والتي اعلن عنها بملصقات تناثرت في كل مكان (
أعمدة الكهرباء، أبواب الدكاكين و..و..الخ الخ).
تابع تلاميذ
الشيخ محمد عبد الكريم هذه الإعلانات التي تعلن عن افتتاح الدار على مقربة من جامع
الشيخ فدبجوا المسجد بالخطب المنبرية التي تكفر الشيوعين وتدعوا إلى حظر نشاطه
وشحنوا المصلين حتى تعاطف معهم عدد غير قليل من المواطنين فكان أن هاجموا الدار
بعنف واعتدوا بالضرب على من فيها ووقع عدد من الجرحي من الجانبين ولولا عناية الله
ثم تدخل الشرطة لتناولت الأخبار عدد القتلى الذين ماتوا خلال هذا الهجوم.
ود مدني .. مرة أخرى
الحادثة العاشرة جرت بمدينة ود مدني بالعام 2011م. وسميت
بحادثة العشير، حيث هاجمت مجموعة تحمل السلاح الابيض - تابعة للتكفير والهجرة - المصلين، وذلك اعتراضاً على ما اسمته الجماعة،
الممارسات الخاطئة إبان احتفالات المولد النبوي الشريف. واستغاث الأهالي بالشرطة
فألقت القبض على الجماعة التي درجت على الدخول في مشادات مع المواطنين
مناوشات مع المتصوفة
أعود مجدداً لمقال السلفية في السودان الصادر عن مركز
الجزيرة للدراسات. لنستمع لحكاية دارت احداثها بين بداية الشهر الأخير للعام 2011م
ونهاية الشهر الأول من العام 2012م. ( ومن أحدث اشتباكات السلفيين المواجهات
الدامية التي وقعت بينهم وبين الصوفية خلال احتفالات المولد النبوي الشريف في
السودان في 31 يناير/كانون الثاني 2012؛ حيث أصيب وجرح العشرات وذلك قبل
أن تتمكن الشرطة السودانية من فض الاشتباك. وقد كانت الصدامات بينهما قد وقعت،
فضلاً عن الخلافات المعهودة بينهما حول شرعية ولا شرعية الاحتفال، نتيجة للتوتر
الذي نشأ بينهما على خلفية قيام مجهولين بنبش وحرق ضريح أحد مشايخ الصوفية في 2
ديسمبر/كانون الأول2011، وهو الشيخ إدريس ود الأرباب بضاحية العيلفون جنوب الخرطوم
بنحو 30 كيلومترًا. وقد اتهمت جماعات الطرق الصوفية الجماعات السلفية بحرق الضريح،
غير أنها أنكرت ذلك وأصبح الجو مكهربًا بينهما حتى تفجر الوضع في ساحة المولد) (
المقال/ المصدر).
اسكات النواقيس
إلكترونياً انفرد موقع صحيفة الراكوبة الإلكترونية بذكر
الحادثة الحادية عشرة من قصص المتطرفين دينياً وذلك بعددها الصادر يوم الثاني
والعشرين من ابريل للعام 2012م ولنترك الرواية على لسان الصحيفة (قامت
جماعة محمد عبد الكريم المتطرفة اليوم مساءاً بإحراق مجمع الكنائس بشارع الستين
بالجريف غرب في بادرة تشكل الأولى من نوعها في زرع الكراهية والموت وهذه هي سياسة
التطرف الديني أن يتحول بلد آمن من بلد واحد آمن إلى بلد يكره النصف نصفه الآخر . وهل قتل النساء
والأطفال كالذي تم في مجمع ديني يحوي ملجأ للأيتام ودار للعجزة مفخرة للإسلام؟؟) (
الصحيفة/المصدر).
مشافهة
على خلفية الفيلم المسيء
تورد صحيفة السوداني بعدد الصادر يوم
الاثنين 3 ديسمبر 2012م عن مواجهة شفهية جاءت كرد فعل على اقدام نيقولا باسيلي
بانتاج فيلم رديء الصنع يسئ للإسلام ولرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فمن ضمن
ردود الافعال في العالم الإسلامي ومن بينها كان رد فعل عدد كبير من السودانيين
الذين اعتدوا على سفارتي ألمانيا وأميركا. وعلى خلفية ردود الأفعال تلك ( أعلن
التيار السلفي الجهادي عن ميلاده وطرح برنامجه مؤكداً على أنهم يهدفون لإقامة دولة
إسلامية في السودان ليست ذات طابع ديمقراطي أو ديكتاتوري، ولفت إلى أن هذه الدولة
الإسلامية المرجوة لن تنبني على المواطنة وإنما على العقيدة الإسلامية، ونوهوا في
تسجيل فيديو شهير بث على موقع ( اليوتيوب) إلى أنهم سيقومون بهدم الكنائس والقباب،
ولفتوا إلى أنهم يهدفون إلى طرد الكفار من الأمريكان والألمان والبريطانيين، أما
فيما يتعلق بالكفار السودانيين فيتوجب عليهم دفع الجزية – على حد تعبيرهم – ،
وفيما يتعلق بالنصارى فلهم خيار من ثلاثة الإسلام، الجزية بموجب الشروط العمرية
حيث لن يرفع كتاب ولا صليب وسيحلق لهم ليميزوا عن المسلمين – لم يذكر الشرط
الثالث- القتال ). ( السوادني/المصدر).
رجال
حول الرسول .. ( الاسم سالم)
انتقل
اسم رجال حول الرسول بقدرة قادر من عنوان لكتاب شهير للاستاذ خالد محمد خالد ليصبح
عنوان لجماعة تكفيرية نجحت الاجهزة الشرطية بحمد الله في إلقاء القبض عليها داخل
المحمية الطبيعية ( حظيرة الدندر) – ومقالي هذا في طور المسودة – ولنقرأ الخبر كما
ورد في صحيفة السوداني بعددها الصادر يوم الاثنين 3 ديسمبر 2012م. ( ألقت السلطات
بولاية سنار القبض على (25) شخصاً من جماعة تكفيرية متشددة في معسكر تدريب بحظيرة
الدندر. وقال والي سنار: أحمد عباس لقناة الشروق مساء أمس إن الشرطة هاجمت الجمعة
معسكراً لمجموعة تكفيرية متشددة داخل حظيرة الدندر وكانت الحصيلة مقتل اثنين من
المجموعة وجرح أربعة أفراد من الشرطة وتم اعتقال كل أفراد المجموعة بمن فيهم زعيم
المجموعة وهو حاصل على الدكتوراة في الكيمياء وهم الآن قيد التحقيق. وأضاف أن
المجموعة التكفيرية أقامت معسكراً داخل الحظيرة في منطقة أحراش وبعيدة وغير مأهولة
بالسكان وفي شهر أكتوبر الماضي هاجمت معسكر قلقو لشرطة الحياة البرية واستولوا على
أسلحة ومعدات عسكرية وبعد هذا الهجوم تابعتهم السلطات الأمنية وعرفت مقر معسكرهم
وعددهم إلى أن هاجمتهم) (الصحيفة/ المصدر).
هنالك
ثلاثة حقائق جديرة بالذكر أن معظم معتقلي الخلية تتراواح اعمارهم ما بين (19 – 25
) عاماً من طلاب الجامعات وبعضهم نجح في الهرب إلى ولاية القضارف المتاخمة لولاية
سنار ولاحقتهم سيارات الشرطة وحتى لحظة كتابة هذه المقال لم يتم القبض عليهم وهذه
هي الحقيقة الثانية. أما الحقيقة الثالثة والتي تعتبر أكثر أهمية أن جماعة ( رجال
حول الرسول) تشكل تطوراً تكنولوجيا للجماعات التكفيرية فبينما قامت جماعة محمد عبد
الكريم في احداث كمبو (10) بالتلويح بالأسلحة البيضاء استعانت جماعة رجال حول
الرسول بتكنولجيا بلاد الشرك والكفر حيث ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة الصحافة بعدد
الأحد 2 ديسمبر 2012م ( أن الجماعة الجهادية قوامها (60) فرداً مدججين بالسلاح
وأجهزة اتصال حديثة)
يلقي
مقال (رجال حول الرسول .. قصة جماعة تكفيرية في حظيرة الدندر) مزيداً من الضوء على
هذه الجماعة ( وتشير بعض المصادر إلى أن اعضاء المجموعة من طلاب الجامعات
السودانية والمهندسين والأطباء وأن معظمهم ينتمون لولايتي نهر النيل والخرطوم، وتضيف
ذات المصادر – فضلت حجب اسمها – إلى أن العديد من هؤلاء ينتدرجون تحت توصيف
المتطرفين الإسلاميين وإن بعضهم نجح في الإفلات من الرقابة لمنطقة مجهولة اتضح
لاحقاً انها المنطقة محل المعسكر التدريبي ونسبة لحداثة المجموعة ( رجال حول
الرسول ) لم تكن المعلومات حولها متوفرة بقدر كبير خاصة وأن أغلب التحركات كانت
تتم عبر الانترنت وأجهزة الاتصال الحديثة)(جريدة السوداني/ مصدر سابق).
بمثابة خاتمة
وبعد
فإن ما حدث ويحدث في السودان منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى هذا الشهر، شيء
مستحدث على إنسان المجتمع السوداني. ولو رأى جدي ( ود العاقب ) – ذلك الرجل العابد
– في رؤية منامية أنه سيأتي زمان على السودان يقوم به نفر من الملتحين الموتورين،
برج تسامح المجتمع السوداني كما ترج زجاجة الدواء قبل استعمالها. لضحك حتى بان
بياض اضراسه وظن ان الرؤيا اضغاث أحلام. ولكن للأسف نحن نعيش في كابوس مزعج نحتاج
لمن يوقظنا منه على وجه السرعة.
بنظرة
سريعة أو لمحة إن شئت نجد أن الواقع مأساوي ويسود اللون الأسود الداكن ولا بصيص
ضوء يرى في آخر هذا النفق المسود. فالقاتل والمقتول مسلم – بإستثناء السفير
الأميركي – والضحايا في معظهم شباب وهنالك اطفال وبالمثل القتلة من شريحة الشباب
الذين يناط به رفع انسان هذا البلد الذي سمته بريطانيا ابان استعمارها برجل
افريقيا المريض. وللأسف لا زال المرض يسكن جسده وكأنه مرض نادر لا شفاء يرجى منه.
الملاحظة
الثانية تطور اساليب هذه الجماعات على مستوى الأداة أو الآلية من اسلحة بيضاء إلى بنادق
كلاشنكوفية سريعة الطلقات ومتفجرات ومن حيث التواصل فيما بينهم فبديلاً عن
الاجتماعات السرية المغلقة استحدثت جماعة - كجماعة رجال حول الرسول - الاتصالات
الحديثة ولم تتحرج في الاستعانة بتكنولجيا الكفار لتهزم كفارهم المحليين فاستجلبوا
الانترنت لتعزيز تواصلهم. وتطورا كذلك استراتيجياً فالهدف ليس منطقة مكشوفة كقرية
(كمبو10) ليعلنوها منطقة إسلامية نبذت الجاهلية فقد اجتمعوا هذه المرة بالمحمية
الطبيعية التي اصبحت تراثاً عالمياً وفقاً لليونسكو وهي محمية الدندر ذات الأحراش
والتي تمتد بمساحات شاسعة بين ولايتي سنار والقضارف وهو النهج الذي انتهجته جماعة
رجال حول الرسول مما ساعد على فرار بعض افرادها من سنار للدخول في محلية الحواته
بولاية القضارف.
قرابة
العقدين من الزمان وهذا البلد ينزف جراء افكار متطرفة وسيظل يعاني من هذا التطرف
الديني لاعوام لاحقة في وجود بيئة ملائمة لنموء فطريات التطرف من جديد ومثلما ان
ابواغ الفطريات سريعة التكاثر، تتكاثر هذه الافكار لتفرخ مزيداً من المتطرفين فالسودان
منذ تسعينيات القرن الماضي يحتضن المتطرفين دينيا والمتزمتين فكرياً ويفتح لهم
أبواب مساجده ليعتلوا المنابر ويبثوا السم في الدسم، متحدثين في جموع المصلين في
خطبهم عن السيرة النبوية والسيرة العمرية بل أن حزب كحزب التحرير يدعو لإقامة دولة
الخلافة لا يجد مسجل التنظيمات والاحزاب السياسية السودانية حرجاً من تسجيله طالما
استوفى الشروط الإجرائية من حيث البرنامج والعضوية.
ولعل
نشوء جيلين جديدين ولد وعاش في عهد النظام الحالي هو جيل فارغ الذهن تماماً لم
ينشأ كما نشأ غيره من الاجيال السابقة على القراءة والاطلاع والاستماع للإذاعات
الخارجية فقد توقفت مجلة الصبيان المخصصة للأطفال التي صدر عددها الأول في
خمسينيات القرن الماضي وعزف اصحاب المكتبات عن استجلاب اعداد مجلات سمير وميكي
وماجد بصورة منتظمة واستبدلوا بضاعة ببضاعة فأفرغت المكتبة من الكتب والجرائد
وتحورت لكشك لبيع العصائر والمأكولات الجاهزة. وانتشرت ثقافة مقاهي الانترنت
ومحلات ألعاب البلي استيشن والتي تزامت مع قدوم اول شركة للاتصالات المتنقلة في
العام 1997م وفي تطور طبيعي اصبح استخدام الموبايل لا يتقصر على ارسال المكالمات
والرسائل في ظل هواتف ذكية حفلت بالتطبيقات المذهلة وبالانترنت السريع والألعاب
المشوقة.
هذا
التغير المعرفي والثقافي سهل على هذه الجماعات اجتذاب هذه الأجيال لصفوفها لاعبين
على أوتار العواطف الدينية وبحلم جميل بتحويل المجتمع لمجتمع يتلزم بتعاليم الدين
الاسلامي. وما أن ينجحوا في استقطابهم لهؤلاء الايفاع حتى يبرز الخطاب المتطرف من
تكفير لمجتمع جاهلي وإقامة مجتمع الخلافة الاسلامية ويختلف اسلوب الخطاب من خطاب
حواري لخطاب دموي يستلهم أساليب فتكه مما بقى في الذاكرة الجمعية لهذه الجماعات
المتطرفة من افلام هوليودية شاهدوها في شبابهم الأول تتبارى في ابراز اساليب فتاكة
للتعذيب والقتل.
جدير
بالذكر انني قمت باستبعاد حادثين: اغتيال الفنان خوجلي عثمان بدار اتحاد المهن
الموسيقية في ديسمبر 1994م وحادثة احتطاف الصحفي محمد طه محمد احمد من امام منزله
واغتياله في ديسمبر 2006م. وسبب استبعادي لتينك الحادثتين اشتباهي في الدوافع
السياسية في الاغتيال ولم يعلق الأمر بتكفير، فالذين يزعمون ان اغتيال محمد طه
محمد احمد كان بسبب مقاله الذي نقل فيه ما كتبه شخص يدعي الدكتور المقريزي وأساءه
فيه الأدب للرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء نسوا أو تناسوا أن هنالك مقال آخر نشر
بصحيفة الوفاق التي كان الراحل يرأس تحريرها والتي تعرضت بالإساءة الجارحة لبعض
بنات وابناء دارفور.
أما
ما يتعلق بشأن الفنان خوجلي عثمان والذين يعتقدون ان القاتل هو من جماعة تكفيرية
تحرم الغناء، لم يسألوا انفسهم في براءة محضة: لماذا خوجلي بالذات؟. وتجيء الإجابة
من أحاديث المدينة ان خوجلي استضيف في برنامج تلفزيوني قبل اغتياله بعام او أكثر،
واكتشف جمهور المشاهدين إجادته لفن التقليد ويقال انه في ذلك البرنامج قد قام
بتقليد الدكتور حسن الترابي مما جعل الفنان خوجلي عثمان يدفع الثمن غالياً.
انيخ
قلمي هنا وهاجس الرجال الذين فروا من حول الجماعة وتوجهوا شرقاً ليدخلوا مضارب
ولاية (القضارف) ويمشون مطمئنين بمدينة (الحواته) ربما انتظمت صفوفهم من جديد وأعدوا
العدة والعتاة وجلبوا الرجال والكمبيوترات واجهزة الثريا وتواصلوا من جديد ليقتلوا
ويسفكوا الدماء من جديد بإسم الله تاره وباسم الخلافة الاسلامية تاره أخرى.
مزمل
الباقر
الخرطوم
بحري في 19 ديسمبر 2012م
*
المقال نشر بصحيفة حريات بعدد الأثنين 21 يناير 2012م .. على الرابط التالي
http://www.hurriyatsudan.com/?p=95097
* كما نشر على حلقات بموقع بيت الحوار تحت عنوان (التطرف الديني في السودان) بدأ بالمقدمة بعدد الجمعة 1 فبراير 2013م .. بالرابط التالي:
http://www.beitelhiwar.com/arabic/blog/1417-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86---%D9%85%D9%82 %D8%AF%D9%85%D8%A9%E2%80%8F.htm
* ونشرت بموقع الحوار المتمدن بتاريخ 8 مايو 2013 - العدد 4086 بالرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=358328
http://www.beitelhiwar.com/arabic/blog/1417-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86---%D9%85%D9%82 %D8%AF%D9%85%D8%A9%E2%80%8F.htm
* ونشرت بموقع الحوار المتمدن بتاريخ 8 مايو 2013 - العدد 4086 بالرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=358328
Comments