مجزرة الخرطوم ( 10)

مجزرة الخرطوم ( 10)



تعرضت في الحلقة التاسعة من هذه المقالات – وبحسب  التسلسل السردي لصاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) الأستاذ حسن الطاهر زروق – تعرضت بالكتابة إلى ما انتهى إليه اعتقال  كل من الملازم / أحمد حسين ،  النقيب / صلاح السماني ، النقيب/ عباس عبد الرحيم الأحمدي و الملازم/ فيصل محجوب كبلو وأواصل في هذه الجزئية الأخيرة من المقالات استعراضي للكتاب محور الحديث وكنت قد ختمت المقال السابق بأني قد وعدت أورد لكم – عزيزاتي وأعزائي القراء الكرام – ما أورده صاحب كتاب ( مجزرة الخرطوم ) بشأن ذلك المعتقل الذي استمرته محاكمته خمس وأربعين دقيقة كأطول محاكمات معسكر الشجرة رغم أنه – أي المعتقل – لم يتحدث خلالها سوى عشر دقائق فقط !!!!.

الملازم / مدني علي مدني:

(( بعد اعتقاله صباح الجمعة 23/7 بمعسكر الحرس الجمهوري بالخرطوم نقل إلى معتقل القيادة العامة ثم إلى سلاح المهندسين )) .( مجزرة الشجرة : ص  75 ).

هكذا تبدأ حكاية إعتقال  الملازم/ مدني علي مدني، وبدأت حكاية استفزازه (( وفي معتقل القيادة العامة جاء الرائد علي حسين اليماني ومعه جمهرة من الجنود وأخذ يصيح بأعلى صوته: " أتفرجنا علي الجماعة الأعدموهم ، عايزين نتفرج على الجماعة الحيعدموهم" فزجرهم بعض الضباط  وأرغموهم على الصمت والتراجع وفي معتقل سلاح المهندسين جاء خالد حسن عباس وبصحبته بعض الجنود والضباط من بطانته بينهما الرائد فتحي أبو زيد الذي بدأ يكيل السباب لمدني مدعياً انه هو الذي اعتقله ولم يكن ذلك من الخوف وأخذ يعتبر كل واحد من ثوار يوليو هو الذي اعتقله)). ( مجزرة الشجرة :  ص 76 ).

ثم يحدثنا صاحب الكتاب عن بدايات التحقيق الذي جرت احداثه  (( .. يوم الاثنين 26/7 بدأ التحقيق مع مدني ونقل إلى معسكر الشجرة وهناك بعد فترة استدعاه السفاح نميري إلى مكتبه وكان معه نفر من بطانته من ضباط الصف الذين ترقوا إلى رتبة ضابط بعد 25 مايو ومعه أيضاً جندي مستجد عمره 25 عاماً يدعى محمود عبد الله. توجه السفاح نميري بسؤال إلى مدني أن كان يعرف الجندي المستجد محمود عبد الله فأجاب بالنفي )). ( مجزرة الشجرة : ص 76 )

ولم يفلح نفي الملازم المُحاكم من أن يقوم الرئيس المخلوع مجدداً بالزج بشهود آخرين (( .. وقد استدعاهم وهم الجندي الشهيد محمد ابراهيم والوكيل عريف النور من مدرسة المشاة. والوكيل عريف عبد الله من الذخيرة وقد نفوا جميعاً صلة مدني بحادث بيت الضيافة فأمر السفاح بتشكيل محكمة وإضافة المادة 251 – القتل العمد من قانون العقوبات فتشكلت المحكمة برئاسة المقدم المهدي المرضي وعضوية الرواد صديق السيد وعلي حسين اليماني وممثل الاتهام الرائد عثمان محمد الحسن وجهت المحكمة لمدني المواد 21 من قواعد القواعد المسلحة (التمرد) و96 من قواعد دفاع السودان (اثارة الحرب ضد الحكومة ) والأمر الجمهوري الرابع والفقرة الثانية من الأمر الجمهوري الثاني والمادة 25 من قواعد القوات المسلحة لعام 1957م ( معاملة الضباط المعتقلين معاملة مخلة للضبط والربط) نسبة لأن مدني كان حرساً على المعتقلين 21/7 )). ( مجزرة الشجرة : ص 77 -  78 )

ورغم النفي المتكرر من الملازم / مدني علي مدني نفسه،  بل من الشهود الذين أتى بهم النميري، فقد (( انعقدت المحكمة في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل واحضروا كشاهد اتهام النقيب مختار زين العابدين ليثبت أن مدني عامل المعتقلين معاملة سيئة ولكنه لم ينجح وبالرغم من أن ضباط الحرس في السلاح الطبي قد شهدوا أن مدني عاملهم معامة كريمة خلال حراسته لهم إلا أن المحكمة لم تشطب هذه التهمة ثم استدعت المحكمة الجنود السابق ذكرهم للشهادة فأعلنوا جميعاً أنه ليس لمدني صلة بحادث بيت الضيافة. وكانت المفاجأة عندما أعلن الجندي محمود عبد الله انه تعرض لضغط شديد وتهديد من جنود سلاح المظلات والمدرعات ليشهد ضد مدني وإلا فإنهم سيقتلونه وعندما رفعت المحكمة حكمها للنميري تهيج وقذف بالأوراق بعيداً وصاح بأعلى صوته: " ناس الحرس الجمهوري ديل إلا أشهد أنا ضدهم " ثم جمع الأوراق مرة أخرى ووقع عليها. الغريب في الأمر أن بينما كانت أوراق الملازمين فيصل مصطفى وعلي محمد علي زروق قبل اعتقالهما في الجنينة )). ( مجزرة الشجرة : ص 78 -  79 )

في ختام توثيقه لمحاكمة الملازم/ مدني علي مدني يشير  المؤلف في الصفحة التاسعة والسعبين من كتابه  إلى استمرارية ((  محكمة مدني 45 دقيقة وهي من أطول المحاكمات ولكن لم يتحدث فيها إلا عشر دقائق فقط .. دون أن تؤخذ له خلاصة البيانات )). غير أنه لم يذكر لنا نحن – معشر القراء – الفترة الزمنية التي قررت المحكمة أن يقضيها المحكوم عليه في السجن. 


حسن سيد قطان – عامل بشركة الرش:


بهذا العنوان الجانبي في كتاب ( مجزرة الشجرة ) يحدثنا حسن الطاهر زروق  عن اعتقال الشخصية المدنية - ( غير عسكرية ) – حسن سيد قطان وذلك بتاريخ الأول من شهر اغسطس  من عام المجزرة نفسه (1971م). حيث ((  اتصل ضابط من القيادة العامة بمكاتب الشركة يطلب حضور حسن سيد إلى القيادة العامة لأن المهتم برير محمد احمد طلبه كشاهد دفاع لانه يسكن معه في المنزل نفسه . وحضر الرائد سليمان العاقب ومعه آخرون وأخذ حسن لمكاتب الاستخبارات العسكرية بالقيادة العامة وبلا مقدمات بدأ التحقيق مع حسن حول هروب الشهيد عبد الخالق واشتراكه في عملية الهروب واخفاء العريف عثمان وفي صباح 2/8 أرسل حسن سيد إلى سجن كوبر وانضم إلى بقية المعتقلين حتى يوم 11/8 حيث تم نقله إلى معسكر الشجرة للتحقيق ومعه برير محمد حامد والعريف عثمان )).  ( مجزرة الشجرة : ص 79 -  80 ).  

يسدل المؤلف الستار على محكمة حسن سيد قطان بهذه المشاهد (( وبعد أخذ خلاصة البيانات قدموا للمحكمة ليلاً برئاسة المقدم الحسين الحسن طلبت المحكمة من حسن سيد وبقية المهتمين إذا كان لديهم أقوال جديدة أم يكتفوا بما أدلوا به في التحقيق قال حسن انه يكتفي بما أدلى به من أقوال لم تقدم المحكمة له أي فرصة للدفاع. ولكنها طلبت من حسن أن يستدعي أي شخص يدلي بشهادة أخلاقية لمصلحته فرفض. وبقي حسن في المعتقل حتى 15/ 8 حيث اعلن عليه الحكم بالسجن وحول إلى سجن كوبر ثم إلى بورتسودان )). ( مجزرة الشجرة:  ص 80 )

مرة أخرى لم نعرف نحن – معشر القراء – الفترة الزمنية التي سيقضيها عامل شركة الرش في سجن بورتسودان بعد نقله من سجن كوبر.


بمثابة خاتمة:  

وبعد .. ثمة ملاحظات

-          أود أن اعترف كملاحظة أولى أنني وقبل قراءتي لكتاب مجزرة الشجرة كانت معلوماتي عن ما جرى من احداث ومحاكمات في تلك الفترة ، هي معلومات محدودة غابت عنها التفاصيل وتعرفت للمرة الأولى على شخصيات حُوكمت من قبل نظام الرئيس المخلوع جعفر محمد نميري من خلال هذا الكتاب فلعل أولى ملاحظاتي هي بمثابة شكر للمؤلف الذي زاد من علمي علماً.
-          الملاحظة الثانية تتعلق بلغة الاستاذ حسن الطاهر زروق التي اعتقد انها تشد القراء لمتابعة القراءة لما فيها من جزالة في الأسلوب وتمكن من اللغة العربية نفسها.

-          كانت الشخصية الأخيرة التي تناولها الكتاب  بالحديث عن اعتقالها ومحاكمتها هي شخصية العامل/ حسن سيد قطان وأورد المؤلف بعدها في أربعة صفحات ( 81 – 84 ) أربعين شخصية وصفها في الصفحة الحادية والثمانين من كتابه بأنها (( قائمة بأسماء الضباط وضباط الصحف والجنود والمدنيين الذين اسهموا في مجازر الشجرة وحمامات الدم وتعذيب الثوار ونشر الإرهاب بين الأسر الآمنة. ونهب الممتلكات .. حسب مواقعهم في تلك الأيام أو اوضاعهم في الوقت الحاضر)). وكان النميري على رأس هذه القائمة بالطبع. 

-          وطالما أن الملاحظة السابقة تعرضت للشخصية الأخيرة فلابد من التوضيح أن الكتاب حوى عدداً من الأخطاء الإملائية مما جعل المتهم – في نظر المحكمة – هو برير محمد أحمد وفي نفس الفقرة هو برير محمد حامد  وبالمثل نجد الملازم أحمد حسين ويكتب اسم والده في فقرة أخرى معرفاً بالألف واللام  (أحمد الحسين). ومن خلال مراجعتي واستفساري لم  اتمكن من معرفة الاسم الصحيح لذلك نقلت الفقرات من الكتاب كما هي. 

-          رغم توثيق الاستاذ/ حسن الطاهر زروق لجميع المحاكمات غير أنه لم يورد في بعض محاكمات فترة الحكم التي اقرتها المحكمة على بعض المحكومين (على سبيل المثال  لم يذكر فترة حكم الملازم أحمد حسين وكذلك مدة حبس السيد/ حسن قطان).

-      حرص المؤلف على شرح كثير بعض العبارات العامية التي جرت على لسان اصحابها  وبالمقابل ظلت بعض الجزئيات دون شرح فعلى سبيل المثال نجد بالصفحة الثانية والثمانين من الكتاب أن تعريف المقدم صلاح عبد العال هو:(وزير شؤون السودان مع ج. غ. م. )، دون أن يميط المؤلف اللثام عن الاختصارات التي ترمز إليها الحروف الثلاث. ولعل مرد ذلك لأن هذه الاختصارات كانت في حينها معلومة ولكن ربما للقراء الذين هم من الأجيال التي لم تعاصر تلك الأحداث يبقى التوضيح والشرح مهماً




مزمل الباقر
الخرطوم بحري في 6 فبراير 2016م




Comments